وبالتزامن مع دخول عدن العام الرابع على إعلان تحريرها من مسلحي مليشيا الحوثي شهدت المدينة سلسلة من الحوادث الأمنية، إذ تعرضت قيادات أمنية وأخرى حزبية وسياسية ودعوية، لمحاولات اغتيال، على مدى الأسبوعين الأخيرين، نجا منها بعض المستهدفين فيما أصيب آخرون، بينهم نائب مدير أمن عدن، العقيد علي الكازمي، المعروف بـ"أبو مشعل".
كما امتدت بعض الحوادث لتطاول نازحين، كما حصل الثلاثاء الماضي، بإلقاء مسلح قنبلة يدوية على تجمع للنازحين من الحديدة، ما أدى إلى سقوط قتيلين على الأقل. على أن معظم الحوادث والهجمات مرت دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها. وقد تتنوع أهداف الهجمات أحياناً، لكنها تتفق في كونها رسالة عن عمق التحديات الأمنية في المدينة.
وكانت الأزمة في عدن قد بدأت عقب عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى المدينة، أواخر الشهر الماضي، على ضوء التفاهمات التي خففت من حدة الصراع بين الشرعية والإمارات، وأدت إلى عودة رئيس ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، من أبوظبي.
وكانت قيادات محسوبة على المجلس قد أطلقت تهديدات ضد الحكومة الشرعية، ولوحت بالتحرك عسكرياً لإسقاطها، وفرض سيطرة الانفصاليين في المناطق الجنوبية والشرقية، وهو ما جاء في كلمة شهيرة للقائد في قوات "الحزام الأمني" منير اليافعي، المعروف بـ"أبو اليمامة"، منذ أسابيع. وإذا كان الصراع السياسي بين الشرعية والانفصاليين واقعاً تعيشه عدن منذ سنوات، فإن آثاره على الملف الأمني تعد أبرز تحدٍ.
وتنتشر في المدينة ثلاثة أنواع من القوات العسكرية والأمنية، بعضها أقرب إلى المليشيات، وتتمثل بالقوات الموالية للحكومة الشرعية، وأبرزها قوات "الحرس الرئاسي" وقوات "الأمن الخاصة"، وأخرى تتبع لأبوظبي، أبرزها قوات "الحزام الأمني"، المعروفة كتشكيل خارج أطر الشرعية، بالإضافة إلى القوات الأمنية والعسكرية التابعة لـ"المجلس الانتقالي" ولمدير أمن عدن، المحسوب على المجلس، اللواء شلال علي شائع.
وتعود جذور الانقسام بصورته الحالية في عدن إلى مراحل مختلفة، بينها عندما عيّن هادي، أواخر العام 2015، قياديين بارزين في "الحراك الجنوبي" وما عُرف بـ"المقاومة الجنوبية"، هما عيدروس الزبيدي محافظاً لعدن وشلال شائع مديراً للأمن، فسلّمهما زمام عدن، وكلا الرجلين كان يمتلك قوات شبه عسكرية تتبع له في محافظة الضالع، وانتقلا إلى عدن.
إلا أنه وبعد ظهور الخلافات مع الحكومة، ووقوف أبوظبي إلى جانب الرجلين، تعمقت تحديات الأمن في عدن، من الفوضى والجماعات الإرهابية، التي كان لها نفوذ في المدينة عقب إخراج الحوثيين منها في يوليو 2015، إلى قوات عسكرية تتبع لشخصيات نافذة وذات انتماءات مناطقية أو شعارات سياسية.
الجدير بالذكر أنه وخلال الأزمة التي وصلت في يناير الماضي، إلى الاشتباكات العنيفة، أعلن رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، أن صاحب القرار الأمني والعسكري في عدن هو الإمارات، باعتبارها الداعم الأساسي للتشكيلات الموالية للانفصاليين أو لـ"قوات الحزام الأمني".
وعلى الرغم من أن أبوظبي سعت بعد أزمة سقطرى وبالتزامن مع تحضيرات الحملة العسكرية باتجاه الحديدة، إلى إبرام تفاهمات مع الشرعية، إلا أن التفاهمات لم تسفر، حتى اليوم، عن نزع فتيل التوتر في عدن، والناتج أساساً، عن تعدد الولاءات داخل القوات العسكرية والأمنية المنتشرة في المدينة، وتأسيسها المناطقي، الذي يُخشى من أن يجعل الأمن في عدن تحدياً متجدداً، لطالما دفعت المدينة والجنوب اليمني أثماناً باهظة له في الماضي.