توفيق، هو أحد النازحين الذين فروا من الحرب قبل أربع سنوات، كما أنه من المهمشين الذين يسكنون أطراف المدن بمساكن من الصفيح، الكثير ممن يعرفهم توفيق تركوا مساكنهم وتفرقوا في مناطق مختلفة، لكنه لم يدر في خلده أن الحرب ستجعلهم يفرون من مساكن الصفيح إلى حياة تشبهها.
تتكون أسرة توفيق من 25 فردًا، ثلاثة من أولاده متزوجون، عرس أحدهم كان في إبريل الفائت، وكما يؤكد توفيق أن العريس لم يعد موجودًا، لقد ترك عروسه بعد ثلاثة أسابيع ليصل إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوب البلاد بحثًا عن عمل.
كان لتوفيق منزلاً متواضعًا في منطقة القصيبة "قريبة من شارع الستين الذي يستولي عليه الحوثيون" لكنه يتعرض لمضايقات متواصلة، حد تعبيره "لا يتركون للمسكين حاله"، كان ذلك حتى قبل اندلاع الحرب، وعندما وصلت الاشتباكات للقرب منه سامح جميع الناس وغادر المنطقة بحثاً عن مأوى يحميه من الموت والأذى.
وصل إلى المخلاف، شرعب السلام، وجد منزلاً فارغًا في إحدى القرى فسكن فيه، وبعد سنة تقريباً احتاج أهل المنزل لمنزلهم ليبيعوه، فأخلى المنزل، "ليس باستطاعتي شراء بيت، كثر الله خيرهم" كما يقول.
كانت حركة النزوح دؤوبة في أول الحرب، وكانت المخلاف ومناطق قريبة منها عزلة الأجعود، تستقبل الكثير من النازحين، خاصة الباعة المتجولون الذين كانوا يعملون في مناطق بعضها تحولت لمناطق خطرة، في شمال المدينة، كانت الحوجلة باعتبارها ضاحية لمدينة تعز، ايجارتها منخفضة، مركزاً يسكن فيها الباعة والمهمشين.
كان البقاء مجازفة بعد تحول الحوجلة إلى منطقة وسطى بين المقاومة الشعبية والمليشيا الحوثية، ما حدا بسكانها للمغادرة كما يروي نشوان العديني، الذي يسكن حالياً في ملحق لأحد مساجد الأجعود، ويعول أسرته من خلال بيعه للآيس كريم.
يقول توفيق، أن النازحين سكنوا في بعض البيوت القديمة المهجورة، أو منازل مغتربين، أو ملاحق المساجد، وعدد كبير في المدرسة القريبة منهم قبل أن يشدوا الرحال لمناطق لا يعرفها، لكنه بعد سنة لم يجد مكاناً غير طرف الوادي، وتبعه بعد ذلك آخرون.
توفيق واحد من آلاف النازحين الذين يتعاملون مع مأساتهم بواقعية ويتماهون معها، محمد الطويل، أحد أعيان المنطقة أكد أن حيواناً مفترسًا دخل وأكل حمار توفيق إلى داخل الوادي من تحت شجرة السدر، كان الوضع مفزعاً بالنسبة للصغار كما يقول توفيق، ولكنه آمنهم بوضع الزرب (الأغضان الشائكة حول مأوى النزوح).
تأقلم سعيد قسراً مع المكان، وساعده أهالي المنطقة في توفير الأثاث، كما وفر له نازحون الصحن اللاقط والشاشة، لقد جعلوا بذلك "شهر رمضان أفضل"، غير أنه لم يتمكن من شراء "طربال" مع دخول موسم الأمطار، ذلك أن معظم الطرابيل التي تغطي أسرته بدأت بالتآكل، ويرى أنه من الأفضل توفير خيام جديدة وقوية تحميه من الصيف.
الجدير ذكره، أن أكثر نازحي محافظة تعز، اتجهوا لمحافظات أخرى، واستقبلت إب العدد الأكبر منهم، وتوزع الكثير على أرياف المحافظة، ومع وصول المعركة إلى محافظة الحديدة، استقبلت تعز مايزيد عن 10 آلاف نازح من الحديدة، ليختزل حالهم ما قيل قديمًا: كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وتتزايد أعداد النازحين في اليمن منذ اندلاع الحرب قبل أربع سنوات، وتسوء أحوالهم مع استمرار الحرب وعدم تمكن المنظمات الإنسانية من توفير الخدمات لكثير من المدنيين النازحين في مختلف محافظات اليمن، فضلًا عن عدم معرفة العاملون في الجانب الحقوقي لبعض النازحين، كما يعتقد توفيق محمد سعيد.