ويبدو أنها حققت نجاحا حتى الآن في تسويق رؤيتها أمام واشنطن، ليس بسبب حرب حقيقية تقودها في جنوب اليمن، وإنما نتيجة خزينة المال التي تدفعها للولايات المتحدة.
وليست وحدها من تلعب على وتر الإرهاب، فواشنطن أيضا، لديها رؤيتها الخاصة في ملف الإرهاب، وقد سعت إلى توظيفه كفزاعة أمام الرأي العام الأمريكي.
وتحاول الامارات ملء الفراغ الذي خلفته السعودية في اليمن بدعمها نسخة سلفية أكثر دموية تضاهي العمليات الوحشية لتنظيم القاعدة.
ويرى مراقبون ان المذبحة الإرهابية التي نفذتها مقاتلاتها، يوم الأربعاء الماضي بحق أفراد الجيش اليمني تأتي في سياق تطور آخر يهدف إلى صناعة تحالف جديد في اليمن.
قصفت مقاتلات الإمارات رتلا عسكريا للقوات الحكومية شرق عدن، ما أسفر عن مقتل وإصابة ثلاثمائة جندي، بحسب بيان لوزارة الدفاع.
اعتراف الإمارات
وفيما اعترفت الإمارات بالقصف الجوي، أكدت في الوقت ذاته أنها استهدفت "مليشيات إرهابية". وزعمت أنها تصرفت "دفاعا عن النفس".
وأضافت في بيان صادر عن وزارة الخارجية أن العملية العسكرية "اعتمدت على معلومات استخبارية مؤكدة من الميدان بأن المليشيات تستعد لاستهداف قوات التحالف.
إلا أن مثل هذه التصريحات بدت مكشوفة وغير قادرة على تغطية المذبحة التي أشعلتها صور وفيديوهات الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتداول الناشطون صورا ومقاطع فيديو تظهر "المذبحة" الإماراتية في عدن عبر وسم "مذبحة الإرهاب الإماراتي"، مطالبين بالمحاسبة والعقاب في محكمة الجنايات الدولية وطردها من اليمن.
وقال الإعلامي، وسيم القرشي إن تركيز الإمارات على وصف الحالة اليمنية بالإرهاب هدفه تدويل القضية اليمنية. مؤكدا ان إنشاء تحالف دولي بديل عن تحالف السعودية ، يهدف إلى سلب السعودية القرار كما في الوضع الآن في سوريا.
أما الناشط السياسي، كمال حيدرة، فقد أكد بأن هذه هي الآلية التي ستعمل بموجبها أبو ظبي في اليمن خلال المرحلة القادمة، وهي حسب قوله "تعلن عدم حاجتها للسعودية، طالما أن ملف مكافحة الإرهاب يدعمه لاعبون دوليون".
وعلق المحلل السياسي، مصطفى راجح، على المذبحة الإماراتية، بالقول "هل تريد أن تشاهد القاعدة وداعش مندمجتان في كيان واحد يدعى المجلس الإنتقالي ؟ شاهد مقاطع الفيديو لذبح الجنود الأسرى الذين وجدوهم أحياء بعد نجاتهم من الغارات الإماراتية".
مضيفا ان "هذه المشاهد ينبغي أن يعرضها مندوب اليمن أمام مجلس الأمن ليشاهدوا جرائم الإمارات وحزامها الإنتقالي".
بدورها، قدمت الحكومة، طلبا رسميا لمجلس الأمن الدولي، بعقد جلسة طارئة حول ما أسمته القصف السافر الذي شنته الإمارات على قوات الجيش الوطني.
وقالت وزارة الخارجية في تغريدة على صفحتها في تويتر إن القصف الإماراتي على قوات الحكومة اليمنية جرى حين كانت الأخيرة تمارس حقها الدستوري في مواجهة المليشيات المتمردة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.
ولأول مرة، خرج الرئيس هادي المعترف به دوليا ليصف الإمارات كدولة معادية، محملا إياها مسؤولية القصف الذي استهدف قوات الجيش الوطني.
وقال هادي إن الإمارات استغلت الظروف الحالية التي يمر بها اليمن لتسلط هذه مليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي ضد مؤسسات الدولة الشرعية، سعيا لتنفيذ أجندتها في تقسيم اليمن.
وبين حين وآخر، تقدم الإمارات صورة جديدة لحربها على ما تسميه الإرهاب خاصة في المحافظات الجنوبية. لكن التقارير الدولية تشير إلى عكس ذلك.
تحقيقات دولية
وسبق ان كشفت تحقيقات استقصائية لوكالات عالمية عن دعم الإمارات بالمال والسلاح جماعات إرهابية في الأراضي اليمنية، منها جماعة أبي العباس في تعز.
كما عقدت أبو ظبي صفقات سرية مع تنظيم القاعدة في الجنوب. وعلقت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية في تحقيق سابق لها بسخرية بالقول إن نجاحات الإمارات في الحرب على الإرهاب في اليمن تمت "من دون إطلاق رصاصة واحدة".
وكشف تحقيق الوكالة الأمريكية ان الإمارات أبرمت اتفاقات سرية مع مقاتلي تنظيم القاعدة، ودفعت أموالاً لبعضهم لمغادرة مدن وبلدات رئيسية في محافظة شبوة وحضرموت وسمح لبعضهم بالانسحاب مع سلاحهم وعتادهم وأموال طائلة منهوبة.
وأشار التحقيق إلى أبي العباس في تعز والمدرج على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب لصلته بـ"القاعدة". وقال إنه ما زال يتلقى أموالا من الإمارات لدعم المليشيا التي يقودها والتي تحمل الاسم ذاته.
من جانبها، كشفت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، عن تجنيد الإمارات مقاتلين من القاعدة في صفوف مليشياتها التي تدعو للانفصال في جنوب اليمن.
واستندت الصحيفة إلى اعترافات ضباط إماراتيين، لكنهم أوردوا تبريرات زائفة. على سبيل المثال. قال أحد الضباط ان ذلك يتم بعد التأكد من خلفياتهم.
ونقلت الصحيفة عن لواء، لم ينشر اسمه، لأسباب أمنية، إن "العديد من مقاتلي القاعدة هم من اليافعين الذين خضعوا لسيطرة التنظيم وأجبروا أو أقنعوا بحمل السلاح، وعند تنظيف المناطق المدنية من التنظيم، يترك وراءه الكثير من هؤلاء المقاتلين"
وتابع بقوله "نجند مقاتلين وليس إرهابيين، يمكن التفريق بينهم بسهولة، المقاتلون كانوا متحمسين للانضمام لنا ولكن الإرهابيين أرادوا قتلنا، ولكننا نخضع المتطوعين لفحص نفسي شامل لضمان ألا يكونوا من المتطرفين".
يشار إلى ان السعودية اعتمدت مقاربة شبيهة بما ذكره الضابط الإماراتي، إلا ان ذلك لم يمنع عناصر القاعدة التائبين من العودة إلى محاضنهم الأساسية، وتنفيذ عمليات دموية لاحقة.
وما تفعله الإمارات في الحقيقة لا يخرج عن كونه توظيف لعناصر القاعدة لأهداف عديدة من بينها إدعاء انتصارات وهمية أمام المجتمع الدولي، وتوظيف عمليات التنظيم ضد جماعات سياسية مناوئة لها.
تدرك أبو ظبي ان ورقة القاعدة رابحة دوليا، وهو ما تفعله الآن لتصدر المشهد الاقليمي من دون منافس.