لا تقوى الحكومة الشرعية على المواجهة بعد ان وضعت كل بيضها في سلة التحالف ورهنت مصيرها بيده.
خطوتان إلى الخلف. هكذا عبرت تطورات الأيام الأخيرة وتصريحات وزير الداخلية أحمد الميسري.
بعد ان طالب الميسري الإمارات بضرورة تسليم السجون الخاضعة لسيطرتها داخل الأراضي اليمنية إلى الحكومة الشرعية، عاد للتراجع، وقال ان الحكومة هي من تسيطر بشكل كامل على هذه السجون.
كان الميسري أكثر وزراء الحكومة انتقادا للدور الإماراتي في اليمن، مؤكدا في تصريحات متفرقة خلال الفترة الماضية بأن السلطة الحقيقية في عدن والمناطق المحررة والكلمة الفصل هي للإمارات.
ونفى نائب وزير الداخلية، ناصر لخشع، وجود أي سجون سرية في المناطق المحررة.
بدت هذه التصريحات في الحقيقة وكأنها تحمل الحكومة الشرعية تبعات المسؤولية القانونية والاخلاقية للضحايا الذين ضجت بهم تقارير المنظمات الحقوقية.
وبينما كان وجهاء وقبائل المهرة يجبرون السلطات السعودية على الرضوخ لمطالب المعتصمين والمحتجين في عاصمة المحافظة بانسحاب قواتها من المنافذ الرئيسية في المحافظة ومطار الغيظة، كافأتهم رئاسة هادي بقرارات سريعة قضت بإقالة وكيل المحافظة ومدير الأمن المؤيدين لمطالب المحتجين.
ليس ذلك فحسب، عادت القوات السعودية لخرق الاتفاق وإثارة التوتر من جديد عبر استحداث نقاط عسكرية جديدة، وهو ما اعتبره رئيس المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، عبد الله بن عيسى آل عفرار أمر مؤسف وغير مقبول.
الواضح أنه جرت تفاهمات بين الحكومة والإمارات خلال الزيارة الاخيرة للرئيس هادي ووزير داخليته الميسري إلى أبو ظبي.
لكن يبدو ان هذه التفاهمات أثمرت كالعادة عن عودة شكلية للرئيس هادي والحكومة إلى عدن.
أخطر من ذلك، هناك مخاوف من ان تكون العودة اقتضتها ضرورة المعركة المؤجلة في الحديدة أو بهدف الحصول على شرعية أكبر لتدخلات السعودية والإمارات في اليمن بشكل سلبي.
بات هذا التدخل، يلقى معارضة متصاعدة في أروقة الأمم المتحدة والكونجرس الأمريكي ومنظمات حقوقية غربية.
وبسبب المدة التي قضاها هادي في الرياض لأكثر من عام ونصف، برزت قضية مثيرة للجدل حول إقامته الجبرية، وتناولتها الصحافة الدولية، وهو ما سبب حرجا للسلطات السعودية.
المرة الوحيدة التي تجرأت فيها الحكومة للتصعيد بشكل أكبر، كانت في قضية سقطرى، إذ رفعت قضية الخلاف مع الإمارات إلى الأمم المتحدة، ما دفع الأخيرة إلى التوضيح برسالة إلى مجلس الأمن.
لكن السعودية دخلت على خط الوساطة. لم تكن الوساطة بهدف استعادة الشرعية، إذ لا تزال قواتها رابضة في الجزيرة ولم تنسحب بحسب الاتفاق المعلن حينها.
يؤكد الرئيس هادي في مقابلته الأخيرة مع قناة "بي بي سي" على عدم ندمه من الاستعانة بالتحالف للتدخل العسكري في اليمن، لكنه يقر بأن العمليات العسكرية أخذت فترة أطول من المتوقع.
أكثر من ثلاث سنوات منذ انطلاق عاصفة الحزم. يشير هادي في ذات المقابلة إلى تحرير أجزاء من البلاد من عدن إلى المهرة.
وتؤكد مصادر تابعة للحكومة تحرير نحو 80 % من الجغرافية اليمنية. لكن مليشيا الحوثي لاتزال تسيطر على مناطق الكثافة السكانية بما في ذلك العاصمة صنعاء.
الأمر السيء ان المناطق المحررة من مليشيا الحوثي، تخضع شكليا للحكومة، بينما انشأت الإمارات قوات خاصة ودربتها تحت مسميات الحزام الأمني وقوات النخبة.
وتهدد هذه القوات السلطة الشرعية الهشة في المحافظات الجنوبية، وقد بذلت هذه القوات محاولات انقلابية سابقة للحلول محلها.
كما ان انتهاكات حقوق الانسان في المناطق المسماة محررة، وترتكبها هذه القوات، تنافس انتهاكات مليشيا الحوثي، وتتحمل الشرعية تبعاتها أمام المجتمع الدولي.
أضحت البلد تواجه مخاطر جمة بسبب عدم الحسم ومراوحة المعركة في المنتصف.
تتضاعف الكلفة الانسانية على حياة المدنيين وتتمزق أجزاء الجغرافيا إلى كانتونات ومليشيات متعددة. كل ذلك بسبب إطالة أمد الحرب لا ﻷسباب موضوعية وانما ﻷهداف باتت واضحة للعيان.
التحالف بقيادة السعودية واﻹمارات، ينازع الشرعية في اليمن سلطاتها؛ وكشر عن أنياب أطماعه في الجزر والموانئ والمنافذ الاستراتيجية.
يبقى السؤال. هل اليمن بحاجة إلى تحالف جديد لإستعادة شرعية الدولة على كامل التراب الوطني؟ لا يجرؤ الرئيس هادي ولا الحكومة الآن على اتخاذ القرار الصعب بإعفاء مهمة التحالف في اليمن.
يبدو هذا خيارا سيئا جدا. لكن استمرار السير فيه بنفس الوتيرة واﻵلية مكلفا للغاية.