ووضع التقرير الذي أطلقت عليه وحدة الدراسات في المركز اسم" تقدير الموقف" حصلت بلقيس على نسخة منه ثلاثة سيناريوهات أمام هذا التطورات الأخيرة في عدن وتناول تداعياته على الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس هادي وشرعية التدخل العربي في اليمن وتأثيراتها على الصراع العربي الايراني في اليمن.
وبحث تقدير الموقف علاقة إيران مع قيادات " تيار فك الارتباط " في الجنوب كما تناول الدور الاماراتي في جنوب اليمن وعلاقتها بقوات الحزام الامني والنخبة الحضرمية وبحث الترتيبات السعودية المتمثلة في مواجهة أي مشروع قد يؤدي إلى خدمة النفوذ الايراني، ويرى تقدير الموقف أن المجلس الإنتقالي الجنوبي يخدم يخفف الضغط على الحوثي وصالح في الشمال ويمكنهم من زعزعة الثقة بطرف الشرعية محليا ودولياً.
وفيما يتعلق بأدوات النفوذ الايراني في اليمن يرى أنه تسلل خلال العقدين الأخيرين، محمولاً على الحوثيين في أقصى شمالي اليمن من جهة، وتيار فك الارتباط بجنوبي اليمن من جهة ثانية.
وقال أنه في حال نجح المجلس الانتقالي في تقويض سلطة الرئيس هادي فإن ذلك يحمل مخاطر محققة على الجهود السعودية في اليمن، ويصب في مصلحة النفوذ الإيراني، التي قد تتعزز علاقتها مستقبلاً مع مكونات المجلس الانتقالي؛ بحكم علاقتها التاريخية بتيار علي سالم البيض وأنصاره.
وتطرق إلى تعاطي الرئيس هادي مع القضية الجنوبية التي قال أنها حظيت باهتمام بارز منذ وصول هادي إلى السلطة، حيث تبنى جملة من السياسات والإجراءات الهادفة إلى معالجة القضية الجنوبية، وبخاصة إعادة التوازن في وجود أبناء تلك المحافظات في المواقع القيادية العسكرية والمدنية للدولة، وقد أفضى مؤتمر الحوار الوطني إلى جملة من التحولات الإيجابية لمصلحة القضية الجنوبية، ونتج عنه حلحلة جزئية في مواقف عدد من مكونات الحراك الجنوبي وقادته، في حين ظلت فصائل الحراك المسلح الموالية لإيران في موقف متسمر ورافض للتعاطي مع أي حلول لا تؤدي إلى تقسيم اليمن إلى دولتين.
ووضع تقدير الموقف محددين اساسيين لمستقبل التطورات في عدن يرتبط الاول في استشعار المملكة للمخاطر المترتبة على أمنها القومي نتيجة ضعف السلطة الشرعية في اليمن، أما المحدد الثاني فيعتمد على فاعلية الرئاسة والحكومة اليمنية التي تمثل دوراً محورياً في اجهاض اي مشاريع من شأنها خدمة طرفي الإنقلاب الحوثي وصالح.
السيناريوهات
وخلص تقدير الموقف إلى أن التطورات في مدينة عدن مفتوحة على عدد كبير من المسارات المستقبلية؛ بسبب تعدد الأطراف المؤثرة فيها، وتعارض كثير من أجندتها، غير أنه يُمكن حصرها في ثلاثة سيناريوهات؛ يتعامل الأول منها مع سقف مرتفع من التطورات لمصلحة المجلس الانتقالي الجنوبي على حساب سلطة الرئيس هادي وعمليات عاصفة الحزم، ويتناول الثاني إمكانية إجهاض المجلس الانتقالي الجنوبي من قبل الحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية، أما السيناريو الثالث فيبحث احتمالية الجمع بين المجلس الانتقالي وصلاحيات الرئيس والحكومة، وهذا يلغي فكرة الأقاليم الستة المتفق عليها في مخرجات الحوار الوطني ويمهد للانفصال مستقبلاً.
سيناريو نجاح المجلس الانتقالي
يتوقع هذا السيناريو مضي الأطراف التي تتبنى مشروع الانفصال، والقوى الإقليمية التي تقف خلفها، قدماً في فرض مشروع الانفصال، بما قد يؤدي إلى الصدام مع الشرعية أو إنهائها مشروعاً ووجوداً في المحافظات الجنوبية، كما هو حاصل في صنعاء، وهذا قد يؤدي إلى نشوب صراع بين قوات الجيش الوطني التابع للحكومة من جهة، والقوات المدعومة إماراتياً من جهة أخرى، ويستند هذا السيناريو إلى حجم وحالة المغامرة السياسية والخطاب الشعبوي المتصاعد الذي يتبناه تيار الانفصال، وما يمكن أن يتولد عنه من استنفار شعبي، وحرص القوى السياسية المتربصة في صنعاء وطهران؛ للدفع بالأوضاع نحو الانفجار بوصفه أنجع الطرق لإفشال أهداف الجهود السعودية في اليمن، بما قد ينعكس على تقوية سلطتهم ونفوذهم في الشمال.
سيناريو فشل المجلس الانتقالي
ينطلق هذا السيناريو من اتخاذ الحكومة الشرعية إجراءات عملية بإقالة المسؤولين الذين أيدوا هذا القرار، وإحالتهم للتحقيق، في المقابل قد تتجه الحكومة إلى تشجيع قادة الحراك الموالين للرئيس هادي وشرعية الدولة؛ مثل ناصر النوبة مؤسس الحراك الجنوبي، ومحافظ عدن الجديد عبد العزيز المفلحي، وذلك لسحب البساط الشعبي عن المجلس السياسي الانتقالي، بالتوازي مع تحجيم دور الإمارات من قبل المملكة العربية السعودية.
وينطلق ذلك من أن الإرادة السعودية التي قد تفرض قيداً على السلوك المتطرف لفصائل الحراك المسلح وقوات الحزام الأمني، وأن الضغوط السعودية من شأنها كبح جماح أي مشروع يؤدي إلى إضعاف السلطة الشرعية التي يستند التدخل العربي في اليمن إلى طلبها كسلطة شرعية أو إلغائها، غير أن الدور السعودي يظل مقيداً بجملة التعقيدات التي تزداد يوماً بعد آخر في اليمن عموماً، وعدن والجنوب خصوصاً، وهذا يعني أنه حتى وإن قُيِّدت المواقف الانفرادية والمتطرفة لقوى الانفصال، أو جرى امتصاصها، فإن حالة الاشتباك والتدافع ستظل قائمة بين الطرفين، وأن مسار التطورات في عدن سيشهد مستوى معيناً من الاضطرابات وحالات من المد والجزر، وقد يؤدي إلى ظهور الخلافات السعودية الإماراتية إلى السطح، خصوصاً إذا ما شعرت المملكة أن النفوذ الإيراني في اليمن لا يهم الإمارات.
ويستند هذا السيناريو إلى استشعار المملكة للمخاطر المترتبة على أمنها القومي، كما أن فاعلية الرئاسة والحكومة اليمنية تمثل دوراً محورياً في تحقيق هذا السيناريو.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو هو المرجح فإنه يظل مرتبطاً بما ذُكر حول قراءة المملكة لعلاقة مكونات المجلس الانتقالي.
سيناريو الاحتواء المؤقت
نظراً لتقاسم النفوذ، سواء بين الحكومة اليمنية وبين أتباع المجلس الانتقالي في الجنوب، أو بين السعودية والإمارات، بصرف النظر عن فارق التمثيل والتأثير، فضلاً عن حرص الإمارات والسعودية على عدم الاشتباك، والحفاظ على مستوى معين من التوافق في الملف اليمني، فقد يدفع ذلك إلى إنتاج صيغة جديدة تضمن للجميع حداً مقبولاً من النفوذ، وذلك للحفاظ على سير المعارك ضد جماعة الحوثي وصالح، خصوصاً معركة الحديدة، التي تهددها خلافات الجنوب، وهذا يمثل للمملكة تحدياً وأولوية ملحة.
وقد يتمخض هذا التقارب عن اتفاق يخفض سقف مطالب المجلس السياسي، وفي الوقت ذاته يضمن له سقفاً محدداً من مطالبه، وقد نشهد في الأيام القادم أن تقود السعودية الوساطة، أو تشكيل لجنة حوار بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، وهذا السيناريو- على سهولته- سيحمل خلافات للمستقبل القريب، ويضخم من حجم تيار الانفصال على حساب الحراك الجنوبي الموالي لشرعية الرئيس هادي وفكرة اليمن الاتحادي.