جرح لا يبرأ
ويعد قرار القعود المعروف بعشقه الشديد للكتب ونهمه للقراءة بمثابة انتحار، وانتكاسة مؤلمة ستظل محفورة بوجدانه ، وجرحا لن يبرأ منه طوال عمره.
امتلك الشاعر والأديب القعود مكتبتين إحداهما منزلية والأخرى خارج المنزل ، وتعامل مع الكتب كأطفاله المدللين الذين رافقوه في كل مراحل حياته، واختلى معهم ساعات طويلة في عالم آخر عشقه القعود ، ولم يتوقع يوما أن يودع جلسائه أو يفكر بالابتعاد عنهم ، لكنها الحرب التي دارت رحاها وطحنت الكثيرين ، والخوف من تشرده وأسرته بعد مهلة وجيزة حددها مالك المنزل، بحسب ما يؤكده القعود لـ" بلقيس ".
كثيرا من الأدباء والمثقفين أجبرتهم الظروف المعيشية الناتجة عن أربع سنوات من الحرب ، وانقطاع المرتبات إلى بيع كتبهم مجزأة ، كما هو الحال مع جميل مفرح نائب رئيس اتحاد الأدباء والكتاب بصنعاء الذي يعود إلى مكتبته المنزلية كلما ضاق به الحال وأغلقت أمامه الأبواب ليأخذ منها مجموعة من الكتب ويعرضهم على أصحاب البسطات بشارع التحرير بصنعاء.
قشة غريق
يشعر مفرح بالحسرة على الكتب والمجلدات الثقافية والمرجعية التي لا تقدر عنده بثمن، ودفعته الحاجة إلى بيعها بالرخص كلما نظر إليها وهي معروضة على أرصفة شارع التحرير ،ويقول مفرح لـ " بلقيس " إن بيع كتب لها مكانة كبيرها بقلوب مقتنيها من الأدباء والمثقفين بثمن زهيد شيء مؤلم جداً، يعبر عن الحال التي وصلت لها الأوضاع في البلاد ، وأحوال الناس الذين يتجرعون مرارة الفقر والإفلاس.
ويضيف أن لدى بائعي الأرصفة والبسطات الكثير من الكتب التي اضطر أصحابها لبيعها، والبعض منها ما تزال ممهورة بالإهداء وتوقيع المؤلف أو مقطوعة منها هذه الصفحات.
ومع أن القعود يعتقد أن بيع الكتب حلاً سطحياً ولا يكفي ثمنها لتوفير الأشياء الأساسية أو لتسديد الديون المتراكمة مهما كانت قيمتها الفكرية وكثر عددها، ولا يمثل اللجوء إليها إلا كغريق يتشبث بقشة، إلا أنه لا يمتلك مدخرات أخرى غيرها ليبيعها .
مثقفون جدد
أصحاب بسطات الكتب صارت لهم خبرات متراكمة عن أنواع الكتب التي سيستفيدون منها ، ولذا لا يشترون كل ما يعرض عليهم على الرغم من رخص أسعارها، فالمظهر والمحتوى عوامل جذب رئيسية في سوق أرصفة الشوارع.
كما يقول ماهر شاهر صاحب إحدى بسطات الكتب بشارع التحرير لـ" بلقيس "، ومع أنه يعترف بأنهم يشترون كتب قيمة بثمن بخس، إلا أنه يرجع السبب إلى أن البلد تعيش أوضاع اقتصادية صعبة، ولم يعد يهتم إلا القليل من الناس بشراء الكتب.
ويرى مفرح انه في الآونة الأخيرة ظهر بعض الناس الذين يحرصون على شراء الكتب ليس لأجل محتوياتها وقيمتها الثقافية والمعرفية، وإنما لإضفاء مظهر جميل لمنزله ، ويعتبرون المكتبة جزء من الأثاث تكسبهم سمة اجتماعية يتباهون بها في مقايلهم وبيوتهم.
وتبرع فاعلو خير بدفع إيجار منزل القعود، وأنقذوا ما تبقى من مكتبته بعد أن باع أجزاء منها، لكنه ما يزال مثل غيره من الأدباء والمثقفين يعيش حالة اقتصادية صعبة، ومعرض للطرد في حال تراكمت عليه الإيجارات مرة أخرى.