بدأت حكاية "العليمي" قبل ثلاث سنوات عندما أشترى أرضية في منطقة "الصباحة" بصنعاء، من أجل بناء منزل لإيوائه وأطفاله، وتحقيق حلم حياته المتعثر منذ عشرات السنين.
بدأ جمع أموال من أجل البناء، وباعت زوجته أملاكها من الذهب وأيضاً حصلت على مساعدة من أهلها، لكن هذا الحلم واجهته عصابات تتبع الحوثيين بالرصاص بلا مبرر.
ما بين الحين والآخر تندلع اشتباكات مسلحة بصنعاء وتسمع أصوات الرصاص التي تستمر أحيانا لساعات، وفي ظل سطوة الحوثيين الأمنية لا أحد من السكان يتوقع معارك مع خصومهم.
هناك معارك أخرى ملتهبة منذ سنوات على الأراضي والعقارات والتي تتم بشكل ممنهج من قبل نافذين تربطهم علاقة بالحوثيين.
بلطجة بقوة السلاح
مُنع "العليمي" من البناء على أرضة من قبل مسلحين يتبعون قيادي حوثي يدعى "أبو محمد جمعان"، ولم يقدموا أي مبرر سوى أنهم قالوا للأسرة أن هناك توجيهات بمنع البناء في تلك المنطقة.
في منتصف يوليو الماضي هاجم المسلحون منزل الأسرة بالرصاص وأصابوا الأب وأفزعوا الأطفال، من أجل ترويعهم للتوقف عن البناء.
ولم تكن تلك الأسرة القادمة من مدينة تعز (وسط اليمن) الضحية الأولى لعمليات النهب والاستقواء بالسلاح من قبل قيادات تابعة للحوثيين بمنطقة تسمى "المدوار" في الصباحة (غرب العاصمة)، حيث يشتهر القيادي الحوثي "جمعان" بقيادة مسلحين يبتزون مُلاك الأراضي من أجل دفع الأموال.
بعد سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة، تحولت كثير من عقاراتها إلى أملاك خاصة تابعة لقيادات حوثية أو لصالح حروب الجماعة، غير أن الجانب الآخر من النهب هو الأكثر جريمة وقهر لكثير من الرجال.
يتم مصادرة قطع أراضي صغيرة لا تتجاوز ثلاث لِبن (اللبنة تساوي 44 متر مربع)، والتي تعد كل ما تملكه بعض الأسر من أجل بناء بيت المستقبل.
نهب الأراضي بالقوة
"ماجد" يملك صالون حلاقة منذ نحو 15 عام، ضحية آخرى لعمليات السطو. اشترى قبل خمس سنوات "أربع لِبن" في شارع الخمسين بالقرب من "حي مذبح" بصنعاء، لكنه فوجئ بشيخ قبلي يسطو على أرضه بالقوة ويدعي أنها ضمن أملاكة، دون أن يقدم أي أوراق تثبت ادعاءه.
وقال ماجد في حديث لـ"بلقيس" أن قصته بدأت قبل عامين عندما كان يعتزم بناء سور يحدد فيه أرضيته ليتفاجأ بتخريب السور والاعتداء على العُمال بالرصاص الحي، ولم يستطع بعد ذلك أن يعمل مجددا بأرضيته خوفاً على حياته، واتجه للوساطات القبلية وقيادات الحوثيين.
وأضاف "لا أملك سوى هذه الأرض فقط وهي حصاد كل ما استطعت توفيره من الشغل خلال السنوات الماضية من أجل التحرر من الإيجارات وبناء منزل لأطفالي الأربعة، وأنا لا أملك مسلحين أو قبيلة كبيرة لكي تقف بوجه الشخص الذي يحاول أخذ أرضي بلا حق".
ويعتقد الشيخ القبلي أن تلك الأرضية ضمن أملاكه رافضاً الاعتراف بوثيقة الشراء التي يمتلكها "ماجد" الذي ما يزال يأمل بعودة أرضيته حيث أصبحت قضيته لدى مشائخ القبائل.
وقال: "خسرت الآن مبالغ كبيرة بما يقارب قيمة الأرضية حين اشتريتها، والأرضية قد تم تسويتها بالجرافات ضمن مساحة أملاكه الكبيرة".
صراع الحوثيين على الأراضي
حكاية الأراضي والصراع عليها معقد ومتشابك، يتصدرها نافذون من المشائخ القبليين والعسكريين والقيادات الحوثية، وقد تكون تلك العقارات عبارة عن مساحات واسعة يتصارع فيها نافذين مع بعضهم، وما بينهم يتم ابتلاع كافة الأراضي الصغيرة المملوكة لمواطنين. وخلال الحرب عمل الحوثيون على تصدر عمليات النهب.
ويشكو كثير من مُلاك الأراضي في "حي مذبح" و "الخمسين" من منعهم من قبل الحوثيين في البناء على أراضيهم، ولا يعرف السبب وراء ذلك، غير أن مصادر متطابقة تؤكد: "إن قيادات من ميلشيات الحوثي باعت كثير من الأراضي المملوكة للدول أو لقيادات حكومية غادروا البلاد عقب انقلاب الحوثيين بدون أي وثائق رسمية مما كشف حالة الصراع بين الحوثيين".
وفي يونيو الماضي خرج خلاف قيادات الحوثيين في وزارة الداخلية بصنعاء (الغير معترف بها دوليا)، بسبب عمليات السطو على الأراضي حيث تم اعتقال القيادي الحوثي عبد الحكيم الخيواني والمعين نائب وزير الداخلية، من قبل عم زعيم الحوثيين عبد الكريم الحوثي الذي عُين وزيراً.