ارتباط وجداني
وما يزال فؤاد منذ ست سنوات يشتري الفل في الذكرى السنوية لزواجه لإحياء أكثر المناسبات السعيدة التي عاشها ولإضفاء نوع من الحب والرومانسية والتجديد لحياته الزوجية، كما يقول لـ " بلقيس ".
ونظرا لارتباط الفل بالأفراح وبما يحظى به من مكانة في النفوس يتفنن باعة الفل في صنع التشكيلات متنوعة الأحجام والأشكال من العقود التي يتدرج طولها من ما يقارب المترين إلى عقود صغيرة طولها لا يتجاوز 50 سم ، ويوضع ببعضها فواصل من ورود الزينة لإرضاء أذواق الجميع.
وهناك أنواع عديدة من العقود التي يضعها الرجل أو تتزين بها المرأة في عرسها أو سهرتها كالشريخة التي توضع على الرأس والكبيشة التي تعلق على الجيد ، بالإضافة إلى حبات الفل المتفرقة التي تنثر على العرسان أو الخريجين، بحسب ما يقول شائف غريب أحد موزعين الفل لـ " بلقيس " .
وتتفق معه الناشطة المجتمعية انتصار الكثيري التي تؤكد أن الفل أو زهرة الحب كما يطلق عليها في محافظة لحج، رديف الأفراح والمناسبات الجميلة وأبرز ما يزين الحفلات هذه الزهرة ، ويكثر الطلب عليها في ليلة الخميس باعتباره يوم مميز في حياة الأسرة اللحجية ولزيادة حفلات الأعراس بهذا اليوم.
وتقول الكثيري لـ " بلقيس " أن الفل له ارتباط وجداني ومكانة كبيرة يتعدى المناسبات عند الناس في لحج وعدن ، فتحرص المرأة على شراء الفل في سهراتها العائلية لتزيين نفسها ومنزلها ، وتنثر حبات الفل على المنزل وتلف به شعرها كما تضعه في الدواليب لتعطير الملابس.
موسم الفرح
يتزامن تفتح الفل مع موسم زيادة الأعراس وحفلات التخرج في الصيف، فينتشر باعته على تقاطعات الشوارع الرئيسية والفرعية بصنعاء ، وتزدهر تجارته بشكل كبير.
ويخلق الفل مساحات من السعادة والأمل في حياة الناس التي أنهكها الحرب ، ليس فقط لمن يتزين به وإنما لزارعيه ولباعته الذين يحصلون على باب جديد للرزق ، كما هو الحال مع الشاب عبدالله علي الذي يسافر من محافظة الحديدة إلى صنعاء مع كل موسم للتجارة بالفل.
يقول عبدالله لـ " بلقيس " انه يكسب بعض الأيام ما يقارب خمسة آلاف ريال وأحيانا أقل ، ويرى أن النساء أكثر ارتباطا بالفل فاغلب زبائنه من الجنس اللطيف.
ويعتبر الفل مصدر دخل ثابت لكثير من الأسر وخاصة بمحافظة لحج بدءا بزارع الفل والنساء اللاتي يجنين الزهر ومن يصممه في عقود وصولاً للباعة الذي تنتشر محلاتهم على الشارع الرئيسي بمدينة الحوطة.
وتشتهر محافظتي الحديدة ولحج بزراعة الفل لملائمة التربة ودرجة الحرارة ، وينتقل الفل منهما ليتوزع في بقية المحافظات اليمنية عبر موزعين يعملون على نقله بعناية شديدة وتحت درجة حرارة منخفضة باستخدام الثلج حتى لا تحرقه الحرارة أو تجعله يذبل.
ويبدأ موسم الفل في فصل الربيع ويمتد حتى أواخر الخريف ويندر ظهوره في فصل الشتاء مما يجعل أسعاره ترتفع بشكل كبير مقارنة بالفصول الدافئة ، وتؤثر البيئة التي ينمو بها على بعض صفاته حيث تتفاوت درجة البياض ومستوى العطر بين الفل المزروع في لحج والحديدة ، ولكن تبقى لكل منهما مميزاته.
وبحسب الكثيري فإن فل محافظة لحج يتميز بلونه الأبيض الناصع وكبر حجم الفلة وبرائحته القوية مقارنة بالرائحة الهادئة لفل الحديدة.
تاريخ الفل
ارتبط تاريخ الفل في اليمن بالأمير والشاعر أحمد فضل القمندان الذي تشير المصادر التاريخية انه أول من جلب الفل من الهند إلى اليمن وزرعه في بستانه بالحسيني ثم انتقلت زراعته إلى مناطق تهامة الساحلية.
واحتل الفل مساحات واسعة في قصائد الشاعر العامي والغنائي ومؤسس الغناء اللحجي القمندان فيورد الفل بمواطن الحسن والجمال منها قصيدة وسيم الخدود.
شراب الهنود حالي ملأ كأسك مع طلح منضود
يموت الحسود يا فلّ نيساني ويا سِدْر مخضود
يلين الجلود حتى ولو قلبهْ كما الصخر جلمود
ويقول شاعر آخر
عقد فل ويا له من عجيب يجعل الشيخ حين يهرم طفلا
والعجوز التي تولى صباها في غرام كأنه ما تولى
يمسح الدمع من عيون الغواني في ثوان ويجعل الصعب سهلا