تقول أم طلال " خرجت اركض في الشارع الذي كان خاليا مفزعاً, وكانت أعمدة الدخان تتصاعد في مكان قريب من سوق القات".
وأضافت " شعرت بخوف شديد .. اقتربت أكثر وشاهدت سيارات الإسعاف وهي تقوم بنقل الجرحى فذهبت مسرعة لأرى ما يحدث. وعندما راني أحد المسعفين سألني, عن سبب تواجدي .. فقلت له اني ابحث عن زوجي .. فطلب مني مواصفاته وما شكل ملابسه التي كان يرتديها, حينها سارع للبحث عنه لكنه لم يجده .. حاول تهدئتي وقال لي "لا تخافي فهناك مصابين في المستشفى , وربما يكون هناك وربما قد يكون عاد إلى منزله ونحن نبحث عنه هنا بين الضحايا".
وتابع قائلاً:" أعدك سأعمل جاهداً للبحث عنه وسأخبرك في حال وجدته وما عليك سوى اعطائي رقمك للاتصال بك " .
مرت الأيام ولم يعد زوج هذه السيدة إلى منزله ولم تجده في المستشفيات كما لم يعثر عليه الرجل المسعف الذي وعد بالمساعدة. أطفالها يتطلعون ايضاً لعودة والدهم، لكنه لا أمل في الأفق .. ولم يجد المسعفون ورجال الانقاذ حلاً محتملاً للغز فقدان زوج هذه السيدة المثقلة بجراح الفقدان سوى إحتمال "إن جسد زوجها قد مزقه الانفجار وتحول إلى اشلاء ويصعب التعرف عليه" .
بنبرة الحسرة تقول الام " لم اترك مكاناً إلا وبحثت عنه ولم أجد ما يدلني عليه، أعيش حالة من العذاب .. لم أستطع الاقتناع أن الموت قد يكون غيبه عني وحرمني منه إلى الأبد، ما زلت أعيش على أمل ان أراه وكذلك أولادي. يسألونني عن أبيهم دائماً، هل هو ميت ام ما زال حياً يا أمي؟ يتمزق قلبي من الألم ولا أستطيع الإجابة عن سؤال أطفالي عن ابيهم".
اليوم لم تجد الأم سبيلاً لإعالة أطفاها، سوى الخروج إلى الشارع للبحث عن قناني البلاستيك الفارغة مع ولدها الأكبر" طلال " الذي أضطر إلى الخروج من مدرسته , لمساعدة والدته لتوفير نذر يسير من عائد مادي ضئيل يسد رمق هذه الأسرة
قصة أم طلال هي واحدة من بين مئات القصص الخفية الغائرة بالألم والبؤس جراء الحرب والتي لا تتحدث عنها وسائل الإعلام.
أسرة أم طلال نموذجا لأسر عديدة مثقلة بألم الظلم والفقدان والحرمان ممن غيبت الحرب والقصف بعض أقاربهم أو أحبابهم ولم تجد هذه الأسر طريقا يشفي قلوب أفرادها غير شواهد موت لم يكتمل .
أهالي كثيرون ممن فقدوا أحبابهم أو اقاربهم في الحرب يطرقون باب المختبر المركزي في العاصمة صنعاء بقصد محاولة فحص حامض( DNA) الوراثي لبعض الاشلاء التي يشكون أنها بقايا جثة لأب أو أبن أو قريب أو صديق فقدوه جراء غارة جوية أو قذيفه غير أن هذا التحليل المخبري للحامض الوراثي غير متوفر في اليمن كما يقول دكتور في المختبر.
ورغم فداحة الألم في مثل هذه القصص إلا انها لا تجد طريقا للنشر والاعلام عنها نظراً لحساسيتها لدى اطراف الصراع خصوصا ممن سقطوا في الجبهات, في حين تصر كثير من أسر الضحايا على تسلم اشلاء ورفات ابنائها , لاقامة مراسم العزاء , وتكريمه بجنازة .ومثل القصف الجوي على الصالة الكبرى في العاصمة صنعاء في اكتوبر من العام 2016 الذي راح ضحيته 150 قتيلا وما يقارب (800 ) جريح , أكبر معضلة للأهالي , بعد أن اختلطت أشلاء الضحايا ووجد الكثير من الأهالي صعوبة في التعرف على جثث أهاليهم, وفيما قامت النيابة الجزائية بأخذ عينات جثث الضحايا لفحصهم غير انها اصطدمت بانعدام الامكانيات , قبل ان تقوم السلطات في صنعاء بإقناع ذوي الضحايا بدفن جماعي لعشرات الجثث , ممن لم يتم التعرف عليها.