حدث هذا الانهيار في ظل تنصل البنك المركزي والحكومة اليمنية من التزاماتهما من دون القيام بأي حلول جذرية تسهم في إعادة الريال إلى استقراره وإيقاف تدهوره.
رغم التعافي النسبي للعملة المحلية، حالة القلق لا تزال مستمرة.
رغم التعافي النسبي للعملة المحلية، حالة القلق لا تزال مستمرة.
يقول المواطن عبده أحمد زيد المقرمي، أعرف أن البنك المركزي اليمني في عدن ليس المعني بضبط أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية التي شهدت ارتفاعاً غير مسبوقاً مع موجة انهيار الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي، ولم تعود لسابق عهدها بعد تعافي الريال.
يبقى السؤال، كيف تأثرت الأسعار بانهيار الريال ولم تتعافى بتعافيه؟"
يضيف المقرمي، في حديثه لموقع" بلقيس نت" في اعتقادي أن إجراءات البنك المركزي اليمني الهادفة للحافظ على قيمة الريال كانت آحادية ولم تكن بالتنسيق مع جهات آخرى معنية في مقدمتها وزارة الصناعة والتجارة بعدن.
ويذهب تاجر التجزئة أبو بكر أحمد عبدالله، إلى القول كنا استبشرنا خيراً منتصف العام الماضي حين أعلن البنك المركزي بعدن القيام بإجراءات للحد من انهيار الريال اليمني مقابل الدولار، وفتح اعتمادات مستندية للتجار المستوردين بسعر صرف بداية 580 ريال للدولار الأميركي بعد أن كان وصل سعر الصرف إلى حوالي 800ريال.
ويضيف أبو بكر في تصريح خاص لموقع "بلقيس نت"، ما يثير الاستغراب هو استمرار البنك المركزي في تقديم اعتمادات مستندية بسعر صرف تم تثبيته عند 440 ريال للدولار، دون أن يحدث ذلك تحسن مماثل في أسعار السلع.
التصرف بالوديعة
وكانت حكومة الشرعية أواخر شهر يونيو من العام الماضي توصلت مع الجانب السعودي إلى اتفاق بالتصرف بالوديعة السعودية "ملياري دولار" المقدمة للبنك المركزي اليمني مطلع العام، للحفاظ على استقرار العملة المحلية.
وتمكن المركزي اليمني في يونيو من استخدامها لفتح اعتمادات مستندية للتجار المستوردين الذي كانوا يحصلون على الدولار عن طريق المضاربة ومن السوق السوداء بسعر صرف يتراوح ما بين 600 إلى 800 ريال للدولار الواحد.
ويذكر تاجر الجملة محمد طه أمين، في تصريح خاص لموقع "بلقيس نت"، بأن المستوردين في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي ممنوعة من الاستفادة من العرض الذي قدمه البنك المركزي اليمني بعدن، وحدد سعر الصرف للمستوردين حسب أخر اعتماد 440 ريال للدولار.
وقابلت جماعة الحوثي قرار المركزي اليمني "فتح الاعتمادات المستندية للتجار المستوردين بسعر صرف أولي 580 ثم 440 ريال للدولار" بتوجيه تحذيرات للتاجر من التعامل مع قرار المركزي اليمني وكذلك البنوك، وجمعت التجار ومسئولي البنوك الواقعيين تحت سيطرتها وأجبرتهم على توقيع تعهدات بعدم التعامل مع القرار سالف الذكر.
تلى ذلك قيام جماعة الحوثي بحملة اعتقالات لعدد من التجار وذويهم ومسئولي بنوك. قالت الجماعة إنهم خالفوا توجيهاتها، ثم فرضت عليهم غرامات باهضة، حد تأكيد مستوردين بالعاصمة صنعاء في أحاديث خاصة لموقع "بلقيس نت".
وأفادوا بأن موجة انهيار الريال التي تلت فتح الاعتمادات المستندية وتحديدا خلال من 15 إلى 30 سبتمبر من العام الماضي، كانت قاصمة، حيث عمد التجار إلى رفع الأسعار بشكل أكبر مما مضى وبالذات أن سعر الدولار وصل إلى 800ريال، ما حد بهم إلى رفع الأسعار خوفا من استمرار انهيار الريال والذي ما لبث أن تعافى مجددا فيما بقت الأسعار كما هي حيث بلغت 20,2% في دقيق القمح، و19,7% زيت الطبخ، و11,5 % للفاصوليا، و17% للسكر، والبترول بنسبة 66%، والديزل بنسبة 48.1 %، مقارنة بمتوسط بالشهر الذي قبله.
وبلغت عدد الدفعات المستندية التي أقرها البنك المركزي اليمني بعدن للتجار المستوردين حتى أواخر مارس من عامنا الجاري 19 دفعة باجمالي 805 ملايين دولار أميركي، وفي المقابل لم تتحسن أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية إلا بنسبة ضئيلة للغاية، حد قول الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الزوبه.
ويفيد الخبير الاقتصادي الدكتور الزوبه في تصريح خاص لموقع "بلقيس نت" بأنه باعلان المركزي اليمني في أواخر مارس الماضي اقرار صرف الدفعة الـ19 من الاعتمادات المستندية، طلب صندوق النقد السعودي من المركزي اليمني ممثلاً بمحافظه الجديد حافظ معياد لمناقشة الجدوى التي تحققت من استخدام الوديعة السعودية المليارين دولار.
ويختم الزوبه تصريحه بالقول حينها لمح السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، إلى أن المملكة كانت تعول أن يُحدث تصرف المركزي اليمني بالوديعة أثرا ايجابيا في تحسن أسعار المواد الغذائية، إلا أن ذلك لم يحدث، وعلى إثرها طالب آل جابر باتخاذ إجراءات أكثر فاعلية ينعكس أثرها بالتحسن على الأسعار.
حالة قلق
وتعليقاً على العلاقة الطردية بين تعافي الريال وأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، الصحفي والباحث الاقتصادي رضوان الهمداني، يؤكد بأنه مهما تم تحديد سعر الصرف للمودرين فهذا لا يعني أن يعكس إيجابا على أسعار السلع طالما البلد تعيش حالة حرب والسوق تعيش حالة تذبذب صعودا ونزولا لأسعار الصرف.
ويضيف الهمداني في تصريح خاص لموقع "بلقيس نت" الأمر الأخر يرجع لعدم وجود الرقابة التي قد تلعب دورا إيجابيا نوعا ما في إلزام التجارب بخفض الأسعار رغم أن أي بلد تعيش حالة حرب يكون من سمات المرحلة على المستوى التجاري بيع التجار بأسعار مرتفعة لضمان عدم الخسارة في حال ارتفعت أسعار صرف العملات، وما يحكم الآن السوق هو حالة القلق ولا ثقة بنجاح البنك المركزي في تثبيت أسعار الصرف وهذا أمر طبيعي طالما جزء كبير من البلد خارج سيطرة عملياتك النقدية والمصرفية.
وللصحفي والباحث الاقتصادي_رئيس مجلة مؤشرات اقتصادية_ ياسر المياسي، وجهة نظر في هذا الشأن. يقول للأسف الشديد الملف الإقتصادي صار جزء مهم من أدوات الصراع بل صار يمثل الجزء الأكبر منه، وما هو مؤسف أكثر أن الجميع تعمد تغيب الملف الاقتصادي لأجل خدمة الناس، فظهر كملف للابتزاز ضد الآخر.
ويذكر الصحفي المياسي بأن هبوط سعر الدولار لم ينعكس على ما حوله من مواد غذائية وغيرها مما ترتبط بحياة الناس ويسبب استمرار معاناة جميع اليمنيين الذين فرقهم الصراع ووحدتهم المعاناة، ناجم عن مجموعة من العوامل، حد قوله.
حكاية التلاعب في أسعار صرف الدولار مقابل الريال، حكاية كبيرة ترتبط بعوامل متعددة جميعها تخضع لسلطة إدارة الصراع سوى المحلية أو الخارجية، وما يجب معرفته أن هبوط وصعود سعر الدولار مقابل الريال اليمني في ظل الصراع الحالي لم يخضع لأي قوانين وقواعد اقتصادية.
ويختم المياسي تصريحه بالقول نتيجة لذلك فإن معظم شبكة الصرافيين وخصوصا من ظهروا حديثا مرتبطين بمراكز إدارة صنع القرار على اختلافها في كل محافظات الجمهورية وهم يخضعون لاستخدام الاقتصاد لأجل خدمة الصراع وليس لخدمة التنمية والمجتمع.
ارتفاع نسبة المخاطر
إضافة إلى ما سبق يجمع اتحاد وغرف التجارة والصناعة في صنعاء وعدن أن العلاقة الطردية بين تعافي الريال وأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، يعود ايضا إلى جملة عوامل أبرزها: ارتفاع كلفة التأمين البحري، حيث تم تطبيق تأمين الشغب على السفن الواردة إلى اليمن، جراء تصنيف اليمن ضمن أخطر المناطق في العالم مما ضاعف كلفة التأمين البحري إلى 600 بالمائة منذ العام 2014.
وارتفاع كلفة النقل الداخلي ونسبة المخاطر وتعدد رسوم العبور والنقل بين المحافظات، وازدواجية الرسوم الضريبية والجمركية والتخليص الجمركي، وفرض الاتاوات بالمخالفة لقوانين التجارة والاستثمار، وتأخر قبول اعتمادات التجار وخوفهم من رفض طلباتهم وتوقف تجارتهم، فلم يجدوا لضمان استمرار انشطتهم التجارية غير شراء الدولار من الاسواق السوداء بأسعار صرف تفوق ال650 ريال للدولار.