حين شاهدت نعيم سيارة رباعية الدفع تقف أمام منزلها وشباب مسلحون يترجلون من ظهر السيارة ويقفون في الأرض ويطلقون الأعيرة النارية في الهواء، أسرعت إلى المكان لترى ماذا يحدث، لكنها كانت المفاجئة المفزعة حين شاهدت جثة ملفوفة في "كفن" يحملها هؤلاء الشباب ويصرخون "الله اكبر.. الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
أحد الشباب اقترب من نعيم خطوات وسألها :هل انت أم الشهيد عبدالله حزام؟ مبروك عليك لقد نال ولدك الشهادة.
حينها لم تتمالك الأم نفسها وسقطت على الأرض. وصرخاتها تدوي في القرية.
لم تكن السيدة نعيم الوحيدة التي استغلت المليشيا الحوثية ولدها واستخدمته كوقود لمعاركها ولقي حتفه، فهناك مئات القصص ليافعين وشباب يمنيين من مدن ومحافظات مختلفة تم استدراجهم إما باستغلال حاجتهم أو التأثير عليهم فكريا وطائفيا أو اختطافهم والزج بهم في المعارك ليلقوا حتفهم وتعيدهم المليشيات إلى أسرهم في الأكفان.
خلايا تجنيد واستقطاب فكري
لم تكن تعلم السيدة نعيم بخلايا التجنيد الحوثية التي تنتشر في مختلف المدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين والتي تعمل على استقطاب الشباب والأطفال والزج بهم للقتال في جبهات المعارك ضد قوات الشرعية " غادر عبدالله المنزل دون أن يخبرني أو يخبر والده، بعد أيام من غيابه أخبرني صديق له في حارتنا "الضبوعة " في تعز " لا تبحثي عن عبد الله يا عمتي أو تحاولي الاتصال به, هاتفه تم إغلاقه وهو في دورة تدريبية مع رفاقنا "المجاهدين" أنصار الله يتم تأهيله معنويا ونفسياً وسيتم إلحاقه للقتال في احدى الجبهات".
وتواصل السيدة نعيم في حديث لقناة بلقيس: انقطعت أخبار ولدي عني ولم أعرف عنه شيئا، وحاولت الوصول إلى صديقه الذي أخبرني بانضمامه إلى صفوف الحوثيين، وحين التقيته أكد لي انه لا يعرف عنه شيئا وأن مهمته تقتصر إلى جانب العديد من رفاقه باستقطاب الشباب واقناعهم للالتحاق في صفوف الحوثيين.
وتتخذ المليشيات الحوثية من أسلوب التضليل الفكري والبث الدعائي الطائفي والترغيب والترهيب أحيانا أخرى وسائل حاسمة لاستقطاب الشباب والأطفال للقتال في صفوفها مستغلة بذلك خلاياها المنتشرة في المحافظات اليمنية والآلة الإعلامية الحكومية التي سيطرت عليها عقب انقلابها على السلطة الشرعية في صنعاء في 21 سبتمبر عام 2014م.
مآسي أسرية وانتهاك حقوقي
وفي قصة مشابهة لقصة السيدة نعيم وولدها تعيش أسرة السيد محمود اسماعيل والتي تقطن في محافظة تعز مأساة حقيقية بعد استقطاب الحوثيين لولده محمد ومسخ فكره بالمعتقدات الحوثية الاثنى عشرية" الفكر العقائدي الذي تتبناها المليشيات الحوثية" كما يقول محمود لقناة بلقيس.
ويواصل " يرفض ولدي مواصلة تعليمه في المدرسة ويصر على الالتحاق بشكل متكرر في الدورات الطائفية التي يقيمها الحوثيين لغرس الفكر الاثني عشري الطائفي في عقول الأطفال والشباب".
الشاب محمد اسماعيل البالغ من العمر 18 عاما عندما التقته قناة بلقيس رفض تصويره لكنه يقول أنه يذهب إلى صنعاء كل عام مرتين بهدف الالتحاق بالدورات الحوثية.
ويتابع "أن ما نتلقاه في الدورات التي يقيمها الحوثيين يتمحور حول قدسية معاركهم التي يخوضونها ضد الأعداء والمستعمرون الجدد ومقاتلة "المرتزقة والخونة"، كما يتلقون إرشادات بوجوب طاعة السيد عبد الملك الحوثي باعتباره قائد له أحقية الولاية وعلى الجميع اتباعه والانصياع لأوامره".
محمود كرب أسرة يظل عاجزاً عن حماية ولده من آلة الفكر الحوثية العقائدية ذات الخلفية الطائفية خصوصا في ظل غياب الدولة وضعف السلطة الشرعية في اليمن.
وفي الوقت الذي تعاني كثير من الأسر من وقوع أبنائها كفرائس للفكر الحوثي, أسر أخرى تدفعها الحاجة والعوز المادي إلى السماح لأبنائها بالانخراط في صفوف المليشيات والقتال معها كمجندين يتقاضون رواتب شهرية وهو ما يجعلهم وقود للمعارك لتحقيق اجندات المليشيات.
ولا تقتصر الاتهامات للحوثيين فقط في انتهاك حقوق الانسان بتجنيد الأطفال فالقوات السعودية والإماراتية تثبت أدلة حقوقية بتورطها في تجنيد مئات الاطفال اليمنيين والسودانيين واستغلالهم في معاركهم ضد المليشيات الحوثية وحماية الحدود السعودية.
وتتهم المنظمات الدولية المليشيات الحوثية باستقطاب آلاف الأطفال وذلك اما باستغلال حاجاتهم المادية أو الاختطاف أو التأثير عليهم طائفيا والدفع بهم إلى جبهات القتال في حين تقول تقارير حقوقية وحكومية أن الحوثيين جندوا ما يزيد عن 20 ألف طفل وزجوا بهم في جبهات القتال, وأن هناك عشرات الأطفال يعودون جثثا إلى أسرهم بعد أن يلقوا مصرعهم في انتهاك صارخ لحقوق الانسان.