العرف القبلي والديني السائد والجهل المستولي على مساحة واسعة من السكان، فضلاً عن عوامل الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها اليمنيون حاليا، جميعها عوامل جعلت من ظاهرة زواج القاصرات ظاهرة حاضرة ومهيمنة بقوة في اليمن.
شبكة إعلام السلام حاولت تسليط الضوء على ظاهرة زواج القاصرات التي كان للحرب أثرها في تنامي هذه الظاهرة وتقدم رواية قصة طفلة أنتهكت طفولتها وتعيش ألم الزواج المبكر حتى اليوم.
نبيلة أحمد (اسم مستعار) التي تسكن في إحدى قرى محافظة إب، تعد أحد ضحايا الزواج المبكر عن عمر لا يتجاوز الخامسة عشر عاما.
تروي نبيلة قصتها قائلة: كنت أحب دراستي وأتخطى أي عراقيل تعيقني بدءا بالبيئة الأسرية المناهضة لتعليم الفتاة، مرورا ببعد المدرسة عن القرية وانتهاء بالحرب النفسية التي كنت اعاني منها في المنزل وزيادة الأعباء التي تم فرضها عليَّ خصوصا مع اقترابي من سن الخامسة العشرة.
وأضافت نبيلة لم يكن أمامي سوى الموافقة على الأعمال الإضافية وقمت بأعمالي التي كانت تتطلب أن أقوم بها حين عودتي من المدرسية وحتى يأتي موعد النوم، لكني كنت أخصص وقتا لمذاكرتي من ساعات النوم المحددة.
وتتابع نبيلة: كنت اصحو مبكراً للذهاب إلى المدرسة ولم أكن اشعر بالإرهاق بل كان كلي أمل وتفاؤل على مدار السنة، وكان ذلك يتكلل بدرجات الامتياز التي أحققها.
***** (فاجعة الزواج المبكر)
وتنهدت نبيلة ثم استدركت بالقول: بعد مرور أسبوع من العطلة جاء اليوم المشؤوم، فبينما كنت أنا وصديقاتي جالسات في غرفتي نتحدث فإذا بصوت جرس انذار سيارة ، نظرت من النافذة لأرى، كانت سيارة فخمة تقف أمام منزلنا لم أرى مثلها من قبل، أحسست بالريبة وتساءلت من صاحب هذه السيارة وكيف جاء مع والدي البسيط الذي يعمل بناء.
ولكني عرفت من هو عندما جاء ابي إلينا وهو مبتسم ابتسامة لم أشاهدها من قبل وطلب مني أن البس ثوب جميل وطرحة على الرأس كي أقدم للضيف العصير بقصده النظرة الشرعية.
وكثيرا ما يدفع أرباب الأسر بأولادهم الفتيات اللائي لم يبلغن سن الرشد للزواج إما بدافع الحاجة أو الطمع بما يمتلكه العريس الثري في ظل غياب القوانين الرادعة والاجراءات الصارمة التي تفرض على رب الأسرة المنتهك لحقوق طفلته بتزويجها قبل بلوغها سن الرشد.
وتواصل نبيلة رواية قصتها بحرقة قائلة : حاولت في تلك اليوم المشئوم رفض رؤية العريس غير أن أبي صرخ في وجهي قائلا قدمي له العصير وبعد رحيله سنتحدث".
واجهت نبيله حينها ترهيب نفسي ومحاولات اقناع واستمالات فضيعه من ابيها ووالدها لإقناعها بالقبول والزواج من العريس "أبي وأمي حاولا اقناعي أنه سيكون الزوج المثالي رغم أنه متزوج وقالا لي أنه يملك المال الكثير ولن يدعني أحتاج إلى أي شيء، حاولت الرفض والبكاء لكن دون فائده وتم عقد قراني وتزوجي بالرجل وأنا في المرحلة الاعدادية ولا زلت طفله".
نبيلة عاشت مع زوجها الذي تم اجبارها بالزواج منه وهي لا تزال في عمر الطفولة ، مدة عامين حتى توفي في حادث مروري "
وتتابع "لأني لم أنجب عدت إلى أسرتي وأنا أملك الكثير من المال استثمرته في بناء شقتين في مدينة أب وتأجيرهما.
****** (محاولة العودة للحياة والدراسة ولكن بلا فائدة)
وتحكي خلاصة قصتها المؤلمة قائلة "حينها استأنفت دراستي الثانوية بعد موافقة أبي، ولكن لم تمر سنة حتى جائني رجل أخر يطلبني للزواج واوهمني انه بإمكاني دراسة الجامعة ولكني اكتشفت بعد مرور سته أشهر من زواجي أنه تزوجني لمالي فقط فطلبت الطلاق وعدت إلى أسرتي وأصبحت أرمله ثم مطلقة وأنا لا أزال في مطلع العشرينات".
وعرف اليمن حملات كثيرة ضد الزواج المبكر نجحت إحداها في فرض مسودة قانون على البرلمان حالت الاعتراضات الكثيرة عليها دون تحولها إلى قانون، كما أدى قيام الثورة إلى تبدل الأولويات في اليمن الذي أصبح في حاجة إلى إعادة بناء ما جعل الحديث عن الزواج المبكر "رفاهية" يسخر منها اليمنيون حسب بعض النشطاء الذي ألقوا بالمسؤولية على الحكومة.
وشهدت الفترات الماضية جدلا واسعا في الأوساط التشريعية اليمنية تجاه قضية تحديد سن الزواج للفتيات، حيث إن منظمات حقوقية وناشطون في مجال حقوق الإنسان طالبوا بإقرار تشريع قانوني يحدد سن الزواج بـ18 عاما فما فوق، وهو توجه عارضه بشدة رجال دين وبرلمانيون إسلاميون وقبليون تمكنوا في 2009 من ترجيح الكفة لمصلحتهم بإقرار مشروع قانون يضع حدا أدنى لسن الزواج هو 17 عاما للنساء و18 عاما للرجال.
ولم تتم المصادقة على القانون من قبل رئيس الجمهورية بعد أن نظمت تظاهرات معارضة له من قبل أحزاب وناشطون ومنظمات حقوقية.