كان الدستور بالنسبة لليمنيين ضرورة سياسية واجتماعية وثقافية، كون الدساتير ترتبط بطبيعة الأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، يرفع الأحرار فيه الدستور كقيمة عليا وأساس نظري للحقوق والحريات.
والثورة الجمهورية في اليمن ارتبطت بالدستور مثلها مثل الثورات الانسانية وحركات التحرر ضد الاستبداد، بالإضافة إلى ظهور الأفكار القومية، وانكماش الاستعمار الذي كان من الأسباب والدوافع الرئيسة في دسترة العديد من أنظمة الحكم.
يُعد اليمن من البلدان النادرة في المنطقة التي شهدت فيه معركة الدستور حضوراً واسعاً قدم اليمنيون الأحرار في سبيله العديد من الشهداء الذين أعدموا في ساحة الإمامة بتهمة أنهم دستوريون جاؤوا لاختصار القرآن بكتاب يكتبه البشر كما كانت تروج آلة الدعاية الإمامية.
كانت لفظة "الدستوري" تعد تهمة على المواطن اليمني وجريمة متكاملة الأركان، قبل ثورة سبتمبر التي نعيش ذكراها، بينما لاتزال الذهنية الإمامية والذهنية الإيدلوجية تتخذ مواقف ما قبل حداثية من الدستور باعتباره العقد الاجتماعي الذي يؤسس للسيادة الشعبية ويرى أدعياء الحق الإلهي غير ذلك.
عقود طويلة من معركة الدستور اليمنية من الثورة الدستورية إلى الجمهورية الشطرية إلى الجمهورية الموحدة والمركزية إلى مسودة دستور الدولة الاتحادية الذي تعرض للاختطاف من قبل مليشيا الانقلاب.
فكرة الدستور.. بين الجمهورية الأولى والجمهورية الثانية تبدو حاضرة في اللحظة اليمنية الراهنة، وموقف المليشيا الحوثية من فكرة الدستور هو امتداد لذات المسلك الإمامي، باعتبار الانقلاب حركة رفض لمسودة الدستور الاتحادي الجديد ومخرجات الحوار الوطني من قبل الحوثي والمخلوع وبعض الأطراف المركزية التي لديها عقدة من توزيع السلطة والثروة على أساس يمني اتحادي لامركزي.