فراغ أمني
لا يترك فراغ غياب أجهزة الدولة ومؤسسات الشرعية للجيوب والعصابات والمليشيا لتملئه فحسب، بل لتتمدد لإزاحة أجهزة الدولة وكل ما يهددها لإشاعة ثقافة الفوضى على حساب دولة القانون.
أحداث تعز الأخيرة تحكي شيئاً من هذه المعادلة، كيف تحول مراهق لم يتجاوز العشرين من عمره من أحد منتسبي الجيش إلى قائد عصابة فيد وواحد من أكثر الشخصيات تأثيرا على المشهد في تعز وأحد مشعلي الفوضى داخل المدينة؟!
"غزوان المخلافي" أحد أبرز أسباب الاضطرابات والتوتر داخل المدينة المحررة، يقود مجاميع مسلحة خارجة عن القانون لأخذ الاتاوات من المواطنين ومنافسة الدولة أدوارها، تضخم بعيدا عن طَرف الدولة ليخوض ضدها اشتباكات مسلحة، اعتقل على إثرها أكثر من مرة، لكن الجهات المعنية أطلقت سراحه ليعاود مهمته الفوضوية من جديد بضوء أخضر.
مؤخرا نصبت عصابة غزوان كمينا مسلحا لموكب مدير أمن تعز العميد منصور الأكحلي، محاولة اغتيال اُحبطت هذه المرة، إلا أنها ستكون أكثر سوءاً في المرات القادمة إذا لم يتم تدارك الأمر ووضع حد لتلك العصابات المسلحة التي تجاوزت مستوى الجباية والارتزاق إلى استهداف الأجهزة الأمنية والعسكرية والعمل على إشاعة الفوضى داخل المدينة.
ومع كل يوم تكبر فيه تلك الظاهرة تمثل تحديا أكبر أمام السلطة المحلية وتضع سؤالا مفتوحا حول عجز الأجهزة الأمنية والعسكرية عن ضبط تلك العصابة وكيف سمح لها أن تصل إلى هذا المستوى من التهديد للسلم والأمن؟
تضارب المصالح
وأعتبر وكيل وزارة الثقافة عبدالهادي العزعزي ما يحدث في مدينة تعز ليس مرتبطا بعصابات الفوضى أو بشخص بعينه (غزوان المخلافي) بقدر ما هناك أزمة عميقة داخل تعز بدرجة أساسية تتمثل بعدم ممارسة السلطة المحلية لدورها وتحديدا في الجانب المالي، مختزلا الصراع في المدينة بمجاميع تابعة لقيادات سابقة أصبح لها أثراً مالي ومترتبات مالية بعد انضمامها للمقاومة، ويرون أنفسهم أصحاب استحقاق رغم ضمهم لقوات الجيش.
وأضاف العزعزي خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" مساء الأربعاء (10يوليو/ تموز) أن الاشكالية ربما تكون أعمق من أن نسمي حادثا بأنه اختلالا أمنيا، مبينا أن هذه الحوادث طبيعية أن تحدث، لكن المؤسف أنها تتضخم في تعز.
وحول الاستهداف الذي تعرض له مدير أمن تعز يوم الثلاثاء، قال العزعزي إن هناك صراعا داخل بنية السلطة ببعدها العسكري والأمني والاقتصادي، معتبرا استهداف مدير الأمن ما هو إلا بداية لصراع أكبر من مسألة صراع على سوق أو إيراد مالي.
وأوضح العزعزي إلى أن هناك "انقساما حادا داخل مدينة تعز بسبب تضارب المصالح الاقتصادية وبالذات في الجانب المالي والايرادات، وهذا ما يمكن قراءته من خلال الاختلالات الأمنية والصراع والضجيج".
انهيار مؤسسات الدولة
وتعليقا على ما حدث بتعز والتوتر الأمني فيها، قال مدير عام شرطة تعز العميد منصور الأكحلي إن ما حدث هو "ملاحقة القوات الأمنية لعناصر مطلوبة أمنيا بقيادة المدعو غزوان المخلافي بعد صدور مذكرات من النيابة بحقهم".
وحول سؤال: كيف يطلق سراح غزوان المخلافي من السجن أكثر من مرة، قال الأكحلي "إن المخلافي هرب من مكان احتجازه آخر مرة بعد وضعه في مكان غير صالح للاحتجاز".
وأرجحَ الأكحلي الاختلالات الأمنية في تعز نتيجة انهيار مؤسسات الدولة ومنها المؤسسة الأمنية والقضائية بسبب الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي على المدينة أوائل عام 2015.
وأضاف الأكحلي في سياق حديثه لقناة بلقيس إلى أن المال والإيرادات المهدرة تعتبر أحد الدوافع الأخرى للاختلالات، داعيا السلطة المحلية إلى تنظيم الإيرادات والقيام بدورها الفعال وستكون الأجهزة الأمنية إلى جانبها كأدوات ضبط
إشكالية أفراد المقاومة
"إحدى أهم المشكلات الأساسية في تعز تتمثل في المقاومة والجيش، ويمثلون أهم الإشكالات الأمنية" يقول عبدالهادي العزعزي.
ومن جهته؛ رأى مستشار محافظ تعز وعضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي عبدالحكيم شرف أن انهيار مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية يعود بسبب حرب مليشيا الحوثي ويعتبر السبب الرئيسي في انتشار الفوضى بتعز، بالإضافة إلى أفراد في إطار المقاومة.
وعن دور الأحزاب فيما يحصل بتعز، قال شرف إن فروع الأحزاب بالمحافظة وقفت أمام هذه الاختلالات والفوضى وصدر بيان عنها مساء الأربعاء أكدت فيه وقوفها إلى جانب القوات الأمنية ضد العصابات الخارجة عن القانون.
وقفز اسم "غزوان المخلافي" في العامين الأخيرين كقائد لمجموعات مسلحة تمارس ما يُوصف بـ"البلطجة" في مدينة تعز، ووجهت له اتهامات بقيادة مجموعات مسلحة مسؤولة عن نشر الفوضى في المدينة التي تشهد مواجهات متقطعة بين الجيش الوطني ومليشيا الحوثي منذ سنوات.