وخلال هذه الفترة فقد اليمن احتياطه من النقد بالعملة الأجنبية، بالكامل نتيجة السطو عليه من قبل الانقلابيين، وتآكلت المدخرات العامة والخاصة ونهبت أموال الصناديق التأمينية، واتسع نطاق الفقر ليصل إلى نحو ثمانين بالمائة من السكان.
هي إذا ثلاثة أعوام سوداء مضت منذ أن فقد اليمنيون دولتهم واقتصادهم ومستقبلهم دفعةً واحدةْ.. على وقع صراخ الناس البسطاء تسلل المشروع الإمامي إلى جسد الدولة من جديد، محمولا على انتهازية هذا الموتور وحقده.
طالبوا في ذلك الوقت قبل ثلاثة أعوام وبنبرة عالية بإسقاط الجرعة، التي اعتمدتها حكومة الوفاق الوطني آنذاك في سياق معالجات متكاملة للوضع الاقتصادي، وفي منعطف صعب للغاية.
واليوم يتجرع شعبٌ بكامله النتائج الوخيمة لما اعتقد هؤلاء بصفاقة لا نظير لها بأن ما قاموا به ثورةٌ وأنهم ثاروا تصحيحاً لأوضاع اقتصادية مختلة.
الاقتصاد كما هو الإنسان، هو الضحية الأولى للانقلاب الميلشياوي، فقد توقفت عجلته، وتعطلت موارده، ونهبت على رؤوس الأشهاد. ضاقت الخيارات الاقتصادية، لتنصهر في سوق سوداء لا سابق لها.
وفي ثنايا هذه السوق، نشأت طبقةٌ استأثرت بالموارد وبالمزايا، وكرست حالة فقر جعلت 80% من سكان البلاد بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، في وقت دفعت حرب الميلشيا على اليمنيين مليونين وثمانمائة ألف إلى النزوح قسرا داخل البلاد، وفقاً لأحدث التقديرات الصادرة عن البنك الدولي.
بدد الانقلابيون أربعة مليارات دولار هي الاحتياطي النقدي الذي تركته حكومة الوفاق الوطني، ونبهوا مئات الملايين من الدولارات المودعة في حساب الصناديق التأمينية لتمويل مغامرة الانقلاب ودعم حرب الميلشيا على اليمنيين.
وضعٌ اقتصاديٌ وماليٌ خطيرْ دفع بالحكومة إلى نقل عمليات البنك المركزي إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن تفادياً للانهيار الشامل بحسب تقديرات الحكومة.
حصاد الثلاث السنوات إذاً كان كارثياً على المستوى الاقتصادي، فقد أقر الانقلابيون بعجزهم عن دفع المرتبات في المناطق التي يسيطرون عليها وبتآكل المعروض النقدي من العملة المحلية وبعجزهم عن فتح اعتمادات جديدة لاستيراد السلع الأساسية التي يحتاجها الشعب في هذه المناطق.
حُشرَ الانقلابيونَ في زاوية حرجة حينما عرض العالم عليهم فرصة إنقاذ البلاد مقابل تسليم الحديدة وميناءها وتسليم الموارد التي يشرفون عليها، لتأمين ما يمكن تأمينه من المرتبات المتوقفة لأكثر من مليون ونصف المليون موظف.
مرة أخرى يرفض الانقلابيون التقاط الفرصة، ومع رفضٍ كهذا تتعمق مأساة اليمنيين وتتآكل مدخرات الميسورين منهم، وتتعطل حركة الحياة.
وفي مقابل ذلك يمضي الانقلابيون في تكريس السوق السوداء وفي التهام ما بقي من فرص، ليبقى الجوع هو التهديد الذي يتصدر مشهد احتفال الانقلابيين بثورتهم المشؤومة في ذكراها الثالثة.