إنها عودة مؤقتة وإجبارية للوجه الإمامي القبيح. عرف اليمنيون خلال ثلاث سنوات كل مأسي وأمراض كهنوت الإمامة، حيث تكرر التاريخ مرتين وإن بصورة مؤقتة، أتاحت لليمنيين رؤية عن كثب المعاناة التي عاشها أجدادهم.
كانت المليشيا تشق طريقها للعاصمة تحت مبررات ولافتات وفرتها مجموعة من الأحداث المتواطئة والتغطية الإعلامية لبعض القوى السياسية نكاية ببعضها البعض.
وفي طريقها جرفت حياة المواطنين بشكل غير مسبوق، حيث طالت الانتهاكات كافة مناحي الحياة، واقتحمت وفجرت حرمات المساجد ودور القرآن ودشنت حملات الاعتقلات والقتل والتفجير الذي أصبح سمة ملاصقة لمسيرتها.
بينما كانت جحافل المليشيا تحيط العاصمة من عدة جهات، كانت الصورة مغايرة في وسط المدينة وفي محيط قصر الرئيس هادي في شارع الستين الغربي، فلا تواجد للقوات الأمنية أو العسكرية ولا حماية أمنية على قصر الرئيس.
إلى جانب تصريحات رسمية، دعت المواطنين وقوات الجيش للحياد وعدم الاحتكاك مع المليشيا، أثارت الصورة في وسط المدينة تساؤلات واستغراب المتابعين.
وحدها، كانت قوات الفرقة أولى مدرع تقاوم بما تبقى لديها من أفراد لم تصلهم الصورة بعد كما يجب: دسائس وجنايات هندستها قيادات عليا في الدولة بتواطؤ مع قوى إقليمية ودولية.
وكشف قائد قوات الفرقة النائب الحالي للرئيس هادي، علي محسن الأحمر، مؤخرا بأن قواته قدمت في يوم النكبة 21 سبتمبر، 294 شهيدا وأكثر من 3000 جريح في معسكر الفرقة الأولى مدرع ومحيطها.
وقال الأحمر ان القوات التابعة لصالح لم تدافع عن الجمهورية وتركتها فريسة للحوثي في يوم النكبة، ولم يدافع عنها إلا معسكر واحد، وهو معسكر السبعين، حسب تعبيره.
لذلك، كان مقر الفرقة، أولى المواقع التي اقتحمتها المليشيا وتعرضت للنهب، واتجهت بعدها جحافل المليشيا شيئا فشيئا إلى بقية مؤسسات الدولة لتفرغها من مضمونها الجمهوري وبنهم شديد للنهب.
أخذ أفراد المليشيا يقسمون أحياء المدينة المحتلة إلى مربعات أمنية، مطلقين على أنفسهم اسم "اللجان الشعبية"، ويوزعون الابتسامات في جولات المرور تحت لا فتات كتب عليها "الاجراءات الأمنية لكم وليست عليكم".
كانت الصورة معبرة عن حالة النشوة بسقوط رابع عاصمة عربية في قبضتهم وفي نفوذ دائرة طهران.
خلال ثلاث سنوات، عادت أمراض الإمامة بثالوثها الخطير، حيث الفقر والجهل والمرض، فقد استنزفت خزينة البنك المركزي ونهب احتياطها الأجنبي وقدمت كدعم للمجهود الحربي.
ويعيش الموظفون قرابة العام بدون رواتب. كما ازدادت معدلات الفقر بصورة مخيفة لتصل إلى نحو ثمانين في المائة من السكان.
كما تم الاعتداء على المدارس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، وتجنيد الطلاب والأطفال في جبهات القتال.
رفعت المليشيا شعارات طائفية وأغرقت الجدران بكتابات باعثة على التجهيل في أسباب نكبتهم الحقيقية. وهناك محاولات لتغيير المناهج الدراسية مع ما يتوافق مع هذا التجهيل.
أما الأمراض، فغير أمراض السياسات، وهي كثيرة، عادت الكوليرا لتحصد أرواح اليمنيين.
ففي آخر تقرير، قالت منظمة الصحة العالمية إن عدد الوفيات جراء الكوليرا ارتفع إلى ألفين وأربعة وسبعين حالة. وأوضحت المنظمة أنه تم تسجيل أكثر من ستمائة وثلاثة وستين ألف حالة تشتبه إصابتها بالوباء في اثنتين وعشرين محافظة يمنية.
كان يمكن للمليشيا ان تكون حالة طارئة في حياة الشعب اليمني وسريعة التلاشي بعد تدخل دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن. لكن التحالف حرف بوصلته وغير أجنداته مما يضاعف المتاعب والكلفة على قوات الجيش والمقاومة للتخلص من هذه الحالة الشاذة.
ثمة من يرى بأن أجمل شيء في ذكرى ثورة 26 سبتمبر هذه المرة أنها تبدو ماضية في طريقها لإزالة الأحقاد والضغائن لتوحد اليمنيين نحو الهدف العام ضد الأسباب الحقيقية لنكبتهم.
لقد تزينت شعاراتهم في جميع مواقع التواصل الاجتماعي بشعار الجمهورية والثورة التي عرفوا أكثر عظمتها. لكنها قطعا لا تكفي لتغيير الواقع.