شاركت السعودية في إذكاء هذا الواقع، ولا ندري ان كان ذلك محاولات منها لتطبيق وصية الملك المؤسس ام سياسة فرضتها التطورات والمواقف المعلنة.
وقفت السعودية على سبيل المثال بشكل علني ضد قيام الجمهورية ودعمت الملكيين بالمال والسلاح، ثم فرضتهم كقوة سياسية حين ماعرف في عام 1970م بالمصالحة الوطنية.
خاضت حرب شعواء ضد عملية استخراج النفط في اليمن وهددت الشركات العاملة في مجال التنقيب وآخرت عملية استفادة اليمن بثرواته الطبيعية مستغلة علاقتها القوية مع أمريكا وطفرة النفط المكتشفة قبلا في أراضيها.
وقفت بكل السبل ضد تحقيق الوحدة اليمنية، وحاولت قبل أيام قلائل من اعلان الوحدة اقناع الزعماء الجنوبيين بفصل موضوع الحدود مع السعودية عن اتفاقية الوحدة المركزية.
يمكن القول ان الطعم الذي ازدرته اليمنيون خلال السنوات الاخيرة، كان هو هذه المقولة الزائفة ان أمن واستقرار اليمن من أمن واستقرار الخليج. كثيرا ما ردد المسؤولين في البلدين هذه العبارة في مؤتمراتهم ولقاءاتهم الثنائية او أحاديتهم الصحافية.
في الحقيقة، بدت عبارة واقعية، إذ ما ذا جنت السعودية من بقاء اليمن بائسا وغير سعيدا؟ فقد دفعت إجراءاتها مئات الفقراء اليمنيين إلى حدودها الجنوبية في عملية يومية مرهقة ﻷمن الحدود ومعهم تسلل تجار المخدرات وعناصر تنظيم القاعدة الذي ضرب مدن المملكة وحاول استهداف أمراء اﻷسرة المالكة.
استغل الرئيس السابق صالح نقطة الضعف هذه وحاول توظيفها في ابتزاز السعودية خاصة بعد اعلان تنظيم القاعدة اندماج فرعه في شبه الجزيرة والعربية في تنظيم واحد انطلاقا من اليمن.
وجدت السعودية في صالح حليفا وثيقا، رغم محاولاته التمرد على سياستها ومحاولات ابتزازها، وكان قد وقع معها اتفاقية الحدود المجحفة في العام 2000م، لذلك عندما جاءت أحداث ثورة 11فبراير ، لم تجد أفضل من حليف آخر سواه.
ضغط الثورة كان جارفا على كل حكام المنطقة. صحيح تدخلت السعودية في المبادرة الخليجية والتي تنازل صالح بموجبها عن السلطة، لكنها أبقت نظامه في السلطة وحصنته قضائيا من الملاحقات القانونية، ولا يعلم على وجه التحديد ان كان ذلك ثغرة مقصودة في العملية الانتقالية ام خطوة هدفت إلى حماية رمزية النظام والحكم من عواقب الملاحقات والفوضى والمحاكمات.
اﻷهم ان السعودية غادرت مربع السياسة الهادئة والدبلوماسية الناعمة، وانخرطت بشكل علني ومفضوح فيما بعد لدعم الثورات المضادة في مصر وتونس واليمن.
ويؤكد المشهد اليمني الحالي بأن سياسة الفوضى المتبعة بلغ ذروته في التفتيت والتقسيم وزراعة اﻷلغام المستقبلية.
توارت السعودية قليلا عن المشهد وتركت اﻹمارات تتسيده بسياسة شديدة العبث على حياة اليمنيين وأمن المنطقة.
لا تخدم هذه السياسة إطلاقا أمن السعودية ولا حتى اﻹمارات وبقية دول الخليج وان بدرجة أقل، ولم يعد من قبيل التنجيم أو التحليلات السياسية القول ان أمن السعودية على كف عفريت بعد ان وصلت الصواريخ الباليستية شبه اليومية إلى مختلف مدن المملكة ووصلت إلى عمقها في العاصمة الرياض.
إيران التي كانت تحلم بهلال شيعي أضحت تطبق كماشتها على السعودية من مختلف الجوانب، وتهدد الملاحة الدولية في مضيق هرمز وباب المندب والبحر اﻷحمر، فيما تركت اليمن للفوضى نتيجة السياسة المراهقة للحكام الجدد في الخليج.