أصبح أمجد يتمتع بنفوذ غير عادي في أوساط شباب عدن. (ولعل هذا أحد أسباب تصفيته وما يعتقد القتلة أنه السبيل الأمثل لفرملة اندفاع هؤلاء الشبان الذين يحرصون على تجاوز كل الخطوط الحمراء) حتى أنه سينجح في إقناع الكثير منهم بعدم الانخراط في موضة النزعات البدائية المستفحلة. فلا معنى من الحديث عن الضليعة واليفيعة من الحديث عن الشمال والجنوب. حتى مع وجود أخطاء فهذه ليست طريقة للمواجهة. كان الأمر قد أصبح يتمحور حول ضرورة إيجاد حامل سياسي يعبر عن القضية الجنوبية التي هي في الأصل تعني الناس المتضررين من حرب صيف 94 ومن السياسات التي فرضها الطرف المنتصر.
لهذا أصبح واحد من أبرز الداعمين لتحركات عيدروس الزبيدي وشلال شائع. فهو يعرف أن وجود تحالف مع الجماعات السلفية مجرد أمر عابر يفرضه واقع التشرذم القائم. فالحراك الجنوبي يتمتع بحضور جماهيري كاسح، لكن السلطة والهيمنة هي في الواقع للأكثر تنظيما، وهي الجماعات السلفية وداعميها الاقليميين ولا سبيل لمواجهة هذه الجماعات والواقع الذي تريد فرضه سوى بوجود كيان سياسي لديه مشروع واضح ويتمتع بقدر عالي من التنظيم.
لهذا لم يتردد أمجد في إعلان مساندته لتحركات محافظ عدن حينها عيدروس الزبيدي (قبل إقالته) ومدير أمن عدن شلال شائع، التي ظهر أنها ترمي إلى إيجاد حامل سياسي للقضية الجنوبية. كان لدى أمجد وقليل من أصدقائه رؤية لكيفية إيجاد هذا الحامل، لعلها أفضل وأكثر مصداقية من كل الرؤى التي طرحت وجرى تغذيتها بالوهم من قبل أولئك الذين لا يريدون لعدن أو للجنوب أن ينهض، مهما أظهروا عكس ذلك.
لم يقتصر نشاط أمجد على مواقع التواصل الاجتماعي، فحسب، بل وفي أوساط شباب عدن بمختلف مشاربهم، ثم بدأ الأمر يأخذ ما يشبه التنسيق مع أمجد ورفاقه ومقربين من أصحاب المشروع الجديد. لكن أمجد كما ظل حريصا في البقاء على مسافة من الشعبوية والنزعات البدائية، كان أيضا حريصا في البقاء على مسافة من رجالات السلطة حتى وهو يعلن عن دعمهم أمام الملأ.
إذن بالنسبة لتلك الجماعات ومن يرعاها، كان الأمر يتعلق في الأساس بهذا التوجه الجديد الذي يتزعمه مجموعة شباب متخففين من الشعبوية، وفي الأساس بما تظهره تحركاتهم من ثقة من يمتلك رؤية فعلا.
بعكس كل الجماعات الأخرى التي تختار من ميدان الحراك مجال لنشاطها ثم تكتفي ببعض الضجيج وكثير من الشعبوية الأمر الذي يسهل استثمارها وتوجيه نشاطها.
في ذروة الوهم المغذى إقليميا، وفي ذروة الصدق والتفاني الذي أصبح بحوزة شباب من طراز جديد، سقط أمجد، لكن بعد أن كان قد أسند المستقبل، وجعل الطريق إليه بالنسبة لمن سيأتي من بعده واضحا. وهذا الطريق هو معركة الوعي وامتلاك مشروع يوجه طاقات الجماهير نحو مصالحها الحقيقية، وليس خلف الأوهام والنزعات والشعبوية. أما الثمن الذي تطلبته رحلة النضال هذه والتي بدأت مع ثورة فبراير مطلع العام 2011 وانتهت منتصف مايو 2017، فقد كان باهضا.
لقد قتل أمجد برصاص متطرفين اتهموه بالإلحاد، ثم منعوا تشيع جثمانه في مقابر المسلمين على حد تعبيرهم. في الحقيقة هناك جرائم متسلسلة بدأت من قبل اغتيال أمجد وتواصلت بعد استشهاده.
ما يشير إلى أن هذا التطرف ما كان له أن يمتلك هذا القدر من السفور الوقح لولا أنه يحظى برعاية كاملة وغطاء سياسي. حتى أن المتهمين بجريمة مقتله لا يزالون بعد عامين من جريمتهم طلقاء يسرحون ويمرحون. بينما نحن وكل أصدقاء أمجد لا سبيل أمامنا سوى التمسك بمشروعه المعرفي والمواصلة من بعده إلى أن يحق الحق ويرى شعبنا طريقه، وتنتصر دماء أمجد على قاتليه.