التواجد الأكبر لليمنيين, هو على موقع "فيس بوك" الذي يشبه مجلس "قات" حيث التفاعل يتوقف على مرتادي المجلس دون سواهم.
غير ان العزلة تتكرس في تطبيق "واتس آب" الذي هو عبارة عن غرف دردشة مغلقة. ففي القرى والمناطق البعيدة, بسبب ضعف شبكة الاتصالات, يكتفي غالبية السكان بمتابعة أخبار الشأن العام عبر هذا التطبيق الذي يسهل من خلاله ترويج الأكاذيب والشائعات وتكريس العزلة. لكنه يتناسب مع ضعف شبكة الانترنت, ثم أنه الاقل استهلاكا للأنترنت اذا ما آخذنا في الاعتبار الظروف الاقتصادية السيئة والمعممة.
لكن منذ مطلع الأسبوع الماضي, توافد اليمنيون إلى موقع "تويتر" بدفع من الأحداث التي باتت تشهدها المحافظات الجنوبية, وهي الأحداث التي تجري بهندسة ودعم مباشرين من قبل دولة الإمارات. حيث لا تكتفي بإشعال الحروب بعد انتاج ذرائع يتم اخراجها بشكل سيء, بل وتوظف في سبيل ذلك كتاب وناشطين وحتى مسئولين حكوميين للتغريد في "تويتر" من أجل قلب الحقائق وتظليل الرأي العام العربي والدولي.
موجة النزوح الى "تويتر" جاءت كإستشعار متأخر بالمأزق الذي تعيشه الدبلوماسية اليمنية والتي يبدو أنها تعيش عزلتها هي الأخرى, لكن أيضا كإنعكاس لبؤس مؤسسة الشرعية واغترابها.
أراد اليمنيون أن يمتلكوا صوتهم, في مواجهة عربدة الواقع المهددة لدولتهم ووحدة بلدهم وما حملته من تهديد حقيقي لإمكانية إستئناف المعركة الرئيسية في مواجهة الحوثي وإنهاء انقلابه. فقد جرى حرف مسار الأحداث على النحو الذي ستترتب عليه فصول تيه جديدة وضياع كل التضحيات والأمال أو هذا ما أوحت به معركة شبوة قبل ان يتم افشال سقوطها في يد القوات والمجاميع المدعومة إماراتيا.
الاحتقان الشعبي عبر عن نفسه بجلاء من خلال التحرك على الأرض لكن أيضا من خلال التصدي للأبواق الاماراتية التي أرادت ان تآخذهم على حين غرة.
غير ان هذا التأخر في إدراك مدى أهمية "تويتر" كمنصة مفتوحة على العالم وتفضيلهم لمنصة "فيس بوك", ذات الطابع المنعزل, سوف يقدم صورة عامة عن اليمنيين المستغرقين في تفاصيل مآساتهم دون ان يستشعروا الحاجة ليس فقط لمخاطبة العالم ولكن أيضا للتفاعل مع أحداثه والاستفادة من الدروس التي يمكن استخلاصها من تطورات الوضع في دول تعيش مسارات مشابهة (مصر, ليبيا, سوريا, ومؤخرا السودان).
هذه العزلة التي تكاد ان تكون بمثابة هوية موازية لليمنيين, كانت قد تكرست عبر التاريخ, بفعل أنظمة الاستبداد وبفعل الطبيعة القاسية.
وحتى موجة النزوح الى "تويتر" جاءت كإستشعار متأخر بالمأزق الذي تعيشه الدبلوماسية اليمنية والتي يبدو أنها تعيش عزلتها هي الأخرى, لكن أيضا كإنعكاس لبؤس مؤسسة الشرعية واغترابها.
بالطبع الأمر لا يزال حتى الآن عفويا. وهو مجرد مثال هنا. لأن التواجد على منصة مفتوحة ومجابهة من يحاولون قلب الحقائق وتكديس الأكاذيب, هذه المجابهة ليست كل شيء. فالانفتاح على العالم ومخاطبته باللغة التي يفهمها وبمنطق مقنع هو العمل الأهم. أما الأكثر أهمية فهو دراسة التجارب المشابهة والاستفادة منها أثناء خوض المعركة الوطنية.
ثمة ترابط بين الوقائع التي تشهدها مختلف البلدان التي شهدت ثورات. وهناك استراتيجية موحدة محليا واقليميا ودوليا لدى أعداء هذه الثورات.
وللتدليل على ذلك يكفي أن نتوقف أمام لؤم التوقيت في الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة عدن والتي أشعلت حروبا في مناطق واسعة من الجنوب. المقصود بلؤم التوقيت هنا هو أن هذه الأحداث بدأت خلال الثلاث الأيام التي سبقت عيد الأضحى المبارك. حيث الناس غالبا مشغولين بتجهيزات العيد الذي يمثل أكبر مناسبة دينية واجتماعية في مختلف الدول العربية والاسلامية.
لو عدنا قليلا للوراء, سوف نجد أنه كان قد تم اختيار توقيت بذات اللؤم أثناء محاولة تصفية الثورة الشعبية في السودان. فقد تم اقتحام ساحة الاعتصام عشية عيد الفطر المبارك. وهي مناسبة دينية واجتماعية توازي مناسبة عيد الأضحى.
أما إذا حاولنا معرفة الجهات الإقليمية التي تقف خلف الحدثين فسنجد أنها هي ذاتها الجهات التي تعربد في اليمن وفي ليبيا ولها اسهامتها المعتبرة في مصر وحتى في سورية, دافعها الأبرز في ذلك هو العداء للثورات ودعم من يقدمون أنفسهم أعداء لها على الصعيد الداخلي.
ثمة دروس هامة يمكن استخلاصها من الثورة السودانية ومن الحرب الأهلية في ليبيا ومن سيناريو مصر, لكن يبدو أننا أصبحنا على وشك الدخول في الأفق السوري.
الامر الذي يعني أننا أصبحنا مطالبين بالتخلي عن العزلة والانفتاح على العالم, ودراسة هذه التجارب بعناية, حتى يتسنى لنا خوض المعركة الوطنية بكافة أبعادها.