خلال العامين الذين سبق اندلاع الحرب بذلت جماعة الحوثي جهودا جبارة داخل مدينة تعز المكتظة بالسكان لكي تحصل على موطئ قدم. وقد حققت نجاحات كبيرة مقارنة بالمدة الزمنية بالنسبة لجماعة تنشط خارج مجالها. ببساطة لأن الثورة فتحت مساحات واسعة للاستقطاب بينما شباب تعز كانوا جاهزين لأي شيء.
قبل ثورة فبراير، كان أكثر شيء يميز تعز، هو العصابات، معارك العصابات لا تنتهي، سواء تلك التي تتبع اشخاص "فتوات" أو تلك التي تتبع بعض الحارات.
عند اندلاع الثورة، وكان هذا شديد الغرابة، انخرط الكثير من اعضاء تلك العصابات في الثورة، اغلب سائقي الدراجات النارية، وبقى قلة قليلة مع السلطة.
بعد الثورة بعام، كان من الغريب أيضا، أن العصابات اختفت، وكأن الثورة قد أوجدت واقعا جديدا، وأعادت تشكيل الشباب في تعز وفقا لمنظور مختلف تماما عن السابق. كما هو الحال بين معظم الشباب في البلاد.
من الجيد الاشارة إلى ان البطالة هي المحرك الاساسي لعمل تلك العصابات وكانت المحرك الاساسي لدفع الشباب الى الانخراط ضمن صفوف الثورة. عدم انخراط شباب تعز في اي انشطة جديدة او استئناف الانشطة السابقة في العامين 2012 و2013 كان مبعثه الترقب في أن تسفر الثورة عن واقع جديد ينتشلهم من البطالة.
لم تأت الثورة بشيء ملموس، ثم ان شغل العصابات اصبح اقل من الطموح، لا يمكن العودة الى نفس المربع السابق، كان عملا خاليا من أي وعي سياسي، لكن بعد الثورة أصبح هناك وعي سياسي هو خليط من الحرب الاعلامية الباردة التي اعقبت الثورة ومن الاحساس بضرورة تخلق واقع مختلف.
نجح الحوثي في ايجاد موطئ قدم لنفسه في تعز، وذلك من خلال الاقتراب من شباب الحارات الضائع، سلحهم وصرف لهم الكثير من النقود، ثم اخذ يعدهم لمعركته المنتظرة في قتال اهاليهم.
هؤلاء الشباب الذين انخرطوا في الثورة ثم اصبحوا عرضة للاستقطاب ثم انخرطوا في المقاومة ليصبحوا من جديد عرضة للاستقطاب هؤلاء هم الطاقة الحيوية التي فشل نظام صالح في استيعابها وفشلت الثورة واحزابها في فتح مساحات امامها لكي تعمل وتعيش وتبدع وتساهم في حلحلة الازمة التي تفجرت الثورة من احشائها
لكن بمجرد اندلاع الحرب, كثير من الشباب انفضوا من حول الحوثي والتحقوا بالمقاومة الشعبية. ولأن المقاومة افتقدت للتنظيم, فقد اصبح هؤلاء الشباب من جديد عرضة للاستقطاب. هذه المرة داخل دائرة الجماعات والفصائل المسلحة التي تشكلت على عجل بعضها بتوجه مشبوه.
كان هذا هو الدرس الثاني بعد ثورة فبراير. انخراط شباب المدينة في المقاومة والاستبسال في مواجهة قوات الحوثي وصالح. بينما حتى وقت قريب كان معروف عن شباب المدينة ابتعادهم عن السياسة وكل ما يتصل بها.
بالطبع الامر لم يقتصر على شباب المدينة, شباب الارياف ايضا التحقوا بالمقاومة بشكل كبير. وكان هذا يقدم نبذة مختصرة عن طبيعة المشكلة التي لم يفهمها احد. فهؤلاء الشباب الذين انخرطوا في الثورة ثم اصبحوا عرضة للاستقطاب ثم انخرطوا في المقاومة ليصبحوا من جديد عرضة للاستقطاب هؤلاء هم الطاقة الحيوية التي فشل نظام صالح في استيعابها وفشلت الثورة واحزابها في فتح مساحات امامها لكي تعمل وتعيش وتبدع وتساهم في حلحلة الازمة التي تفجرت الثورة من احشائها.
مع ذلك كان لا يزال ثمة امل في تخلق التنظيم الذي سيجعل لحياة هؤلاء الشباب معنى. لكن الحرب طالت. وتوقفت عجلة الاقتصاد, توقفت الاعمال. القى هذا الوضع بأعداد هائلة الى احضان البطالة.
تحت ضغوط المعيشة اصبح هؤلاء الشباب عرضة لاستقطاب من نوع جديد هذه المرة يخلو من أي معنى بطولي. فقد تكفلت جبهات الحدود في استقدام هؤلاء الشباب للقتال من اجل المال وحسب. لا احد يمتلك صورة دقيقة عن طبيعة الوضع هناك لكن عدد الذين نسمع كل يوم عن استشهادهم يوحي بأن العشوائية هي سيدة الموقف. ليصبح الموت في الحدود هو الفصل الاكثر مأساوية في قصة اهدار الطاقة الخلاقة التي فجرت الثورة وكان يجب ان تنتصر بها وتصبح وقودا لبناء المستقبل.