لكن في ذات الوقت وبقليل من المتابعة لما يحدث فعلياُ على أرض الواقع نجد أن هذا التحالف نفسه يتصرف منذ بداية الحرب ويقوم بإجراءات وممارسات تعيق قدرة اليمن على إستعادة إقتصادها وحمايته من مزيد من التهاوي. بحيث ظلت التصريحات الرسمية في وادي وما يحدث في الميدان في وادٍ آخر تماماً.
على سبيل المثال،، منذ خمس سنوات ، يحرص التحالف على منع المورد الإقتصادي الأول لبلد مثل اليمن. فيعرقل كل جهود إستئناف تصدير النفط الخام وإعادة الشركات الاجنبية لعملياتها. ولم يعمل من الشركات سوى شركتي بترومسيلة وصافر الوطنيتين في حدود التشغيل الدنيا . رغم أن الحال لم يكن كذلك مع شركة أو أم في النمساوية المملوك ربع أسهمها للإماراتيين. فهذه الشركة المرتبطة بالإماراتيين تم إقرار استئناف العمل فيها وتنفيذ ذلك وإعادة التصدير في مدة لم تتجاوز الأسبوع ولاجلها ذللت كل العراقيل ومهدت كل الطرق. وهنا نحن نتحدث عن ما يزيد عن مبالغ تتجاوز الثلاثين مليار دولار فقدتها اليمن كإيراد من إنتاج وتصدير النفط الخام.
بالنسبة للغاز المسال ، فكلما كانت تلوح في الافق جهود أو بوادر محاولات لاستئناف تصدير الغاز المسال من ميناء بلحاف النفطي ، كانت هذه الجهود تعرقل بواسطة حوادث مفتعلة كان آخرها تفجير أدى إلى حريق أصاب أجزاء من ميناء بلحاف . لإرسال رسالة أن المنطقة غير آمنة ومن غير الممكن إستئناف تصدير الغاز. وبالتالي خسرت اليمن ما يزيد عن خمسة مليارات دولار كان ممكن أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال الخمس سنوات الماضية ، وهذا بحساب الأسعار السابقة في تعاقدات بيع الغاز المسال . أما لو تم تعديل الأسعار فإن المبلغ سيتضاعف عدة مرات .
عندما قررت السعودية دعم الريال اليمني حين تعرضه لإنهيار تجاوز حاجز 800 ريال للدولار الأمريكي الواحد ، لم يكن هذا الدعم على شكل منحة بس جاء على شكل وديعة. هذه الوديعة المتمثلة في الإثنين مليار دولار ليست إلا قرضاً من النوع مرتفع الفائدة والذي ستكون أعبائه كارثية في المستقبل القريب طالما واليمن غير قادر على تسديد هذا القرض مع فوائده وكأن المطلوب هو تأجيل إنهيار الريال وليس منعه.
الموانئ اليمنية جميعها دون إستثناء خارج سيطرة الحكومة اليمنية وتخضع لحصار كامل من قوات التحالف العربي وبالتالي لا إيرادات تجنيها اليمن من هذا المورد المهم. ونفس الحال بالنسبة للمطارات اليمنية وشركة الطيران الوطنية التي تمنع طائراتها من المبيت داخل اليمن وتخضع لقيود غير منطقية تفرضها قيادة التحالف وتقيد حركة الناقل الوطني في الأجواء اليمنية وتحمله أعباء مالية كبيرة تعيق إمكانية تقديم خدمات جيدة أو حتى الحفاظ على الأصول الموجودة بإخضاعها للصيانة الدورية اللازمة.
على الجانب الآخر،، نجد أن التحالف العربي ضخ المليارات من الدولارات على شكل مساعدات عبر منظمات الأمم المتحدة تحت ما يسمى بخطة الاستجابة . ولكن هذه المساعدات وجدت طريقها إلى ميليشيا الحوثي مباشرة ووفرت لهم دعم لوجيستي ومادي ولم تكن منظمات الأمم المتحدة إلا سمسار لعب دور واضح ماديا وسياسيا لدعم الحوثي ولا أحد غيره. ناهيك عن الدعم المباشر لميليشيا الإنقلاب في المجلس الإنتقالي من قبل الإمارات.
ومن الملاحظ كذلك أن المساعدات المزعومة التي قدمها التحالف كانت كلها عبارة عن مساعدات مؤقتة لسد حاجة آنية لدى اليمنيين ، بينما عمل التحالف على عدم تخصيص أي ميزانيات لتمويل مشاريع تنموية مستدامة ممكن أن تخدم اليمن على المدى الطويل. وكل ما لاقاه اليمنيون في هذا الجانب ليس أكثر من وعود وهمية لإنشاء مشاريع استراتيجية من عينة محطة تمويل الكهرباء في عدن التي استمرت الإمارات منذ العام 2015م في الترويج لتمويل هكذا مشروع لم ينفذ فيه شيء على أرض الواقع. وكذلك مشروع مطار مأرب الدولي الذي أعلنت عنه السعودية أكثر من مرة وهو ليس أكثر من مجرد سراب.
وفي ذات الموضوع ، حرصت السعودية مثلاً على تزويد اليمن بمنحة شهرية للمشتقات النفطية بينما أبقيت مصافي عدن خارج الخدمة ومنعت أي استثمارات لزيادة القدرة الإنتاجية لمصافي مأرب. ومنع استئناف العمل في محطة مأرب الغازية لتوليد الكهرباء. الأمر الذي سبب شح في عرض المشتقات النفطية لسد حاجة الاستهلاك المحلي وغرم اليمنيين المليارات لتغطية هذا العجز من الاستيراد وأبقاهم في معاناة مستمرة مع الأزمات الخانقة التي أوصلت أسعارهذه المشقات لتصبح الاعلى على مستوى العالم.
ولا ننسى كذلك أن حالة الحرب التي تعيشها اليمن أفقد الحكومة قدرتها على تحصيل إيراداتها من الضرائب والجمارك خصوصاً في تلك المناطق الخاضعة لسيطرة الأنقلاب الحوثي . رغم أن المواطن يدفع هذه الجبايات بشكل مضاعف مما ساهم في زيادة أسعار السلع والخدمات التي يستهلكها اليمنيون. وبند الجمارك والضرائب لوحده كان بإمكانه رفد البنك المركزي بما يزيد عن خمسة عشر مليار دولار طوال سنين الحرب.
بإلقاء نظرة على موازنة النفقات السنوية لبلد مثل المملكة العربية السعودية ، نجد أن السعودية تنفق حوالي ثلاثمائة مليار دولار سنوياً . ونجد أن الإمارات تنفق نحو ما يرنو عن الخمسين مليار دولار . وعليه فلا مشكلة نهائياً لدى هذه الدول في تخصيص ثلاثة إلى أربعة أو حتى خمسة مليارات سنوياً كمساعدات وتمويل للحرب الدائرة في اليمن. وكأن هذا الخيار في الإبقاء على اليمن ضعيفا وغير مستقروغارقاً في المجاعة والفاقة أفضل -بالنسبة لهم- من تمكينه لإيقاف هذه الحرب وتجاوز المحنة والوقوف على قدميه.
إجمالاً، كل الأحداث من الواقع طوال خمس سنوات تشير إلى أن التحالف العربي لم يعمل لمصلحة الإقتصاد اليمني . بل على العكس عمل على تقويض اليمن من السيطرة على موارده التي كان ممكن أن تتجاوز الخمسين مليار دولار خلال فترة الحرب الدائرة. وكأن مبدأ "التقية" هو الحاضر وهو ما يتم تطبيقه من قبل دول التحالف عبر إظهار الدعم للقضية اليمنية شكليا ً والعمل ضدها تحت الطاولة.
لذلك، فأي إدعاء أن دول التحالف دعمت اليمن خلال فترة الحرب ليس إلا من قبيل التضليل، لأن كل ما حدث وما يحدث لم يخدم جهود اليمنيين لإيقاف الحرب وتمكينهم من السيطرة على مواردهم السيادية في سبيل استعادة دولتهم ومؤسساتهم واقتصادهم ليتمكنوا من وقف تدهورعملتهم و الأعتماد على أنفسهم دون الحاجة إلى أحد. بل كان كل ما حدث ضمن مخطط لاستمرار الحرب و تجريع اليمنيين المزيد من المآسي والويلات ، و لتمويل تشكيلات مسلحة خارج إدارة وإرادة الدولة اليمنية وشراء ولاءات لمجموعة من المرتزقة والمنتفعين نفذوا ما تمليه عليهم الأجندات الخارجية لإبقاء اليمن ضعيفاً وجره إلى التقسيم والتشرذم.