رغم البيانات المليئة بعبارات القلق الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة بشأن تدهور الأوضاع الانسانية في الحديدة. إلا ان باعثها الأول سياسي وليس انساني كونها تجاهلت المأساة التي خلفتها سيطرة مليشيا الحوثي على المدينة والميناء منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ليس هذا في الحديدة فقط. هذه حالة مأساوية تنسحب على أكثر من مدينة ومنطقة لا تزال خاضعة لسيطرة المليشيا بما فيها العاصمة صنعاء. لكن الحديدة، تبدو حالة متفردة بسبب ان معظم الواردات تأتي عبر مينائها والذي تستميت الأمم المتحدة ومنظماتها لبقائه تحت سيطرة الحوثيين، رغم علمها ان المساعدات الاغاثية لا تصل إلى المستحقين والمدنيين، وإنما يتم تجييرها لصالح المجهود الحربي.
يعاني سكان المحافظة من حالة فقر وعوز شديدين، وقد أثارت صور سابقة للمجاعة التي عانتها بعض المديريات حالة من الفزع والرعب في أوساط اليمنيين.
لم تثر الصور الصادمة منظمات الأمم المتحدة بنفس القدر التي أثارتها العملية العسكرية الأخيرة للتحالف مهما بدت مغلفة بالدوافع الانسانية.
تحركات المبعوث الأممي مارتن غريفيث كشفت بوضوح لا لبس فيه الدافع السياسي. وقالها بصريح العبارة ان أولوياته وقف معركة الحديدة ودفع الأطراف اليمنية لاستئناف المفاوضات من جديد.
لم تحض تعز التي تعاني الحصار والأوضاع الانسانية المتفاقمة، وكذلك جبهات قتالية أخرى، بربع تحركات مارتن الأخيرة.
بدوره قدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس تقرير حالة إلى مجلس الأمن، حيث تم وضع التحالف العربي في اللائحة السوداء ضمن أطراف أخرى، اعتبرها منتهكة للطفولة في اليمن.
وسبق ان وضعت الأمم المتحدة التحالف في هذه القائمة خلال العام 2016م، لكنها مالبثت ان تراجعت إلى الوراء ورفعت اسمه من القائمة بعد ضغوط دبلوماسية قادتها السعودية والامارات، مايدل على ان القائمة أصلا ورقة سياسية للتوظيف والضغط ليس إلا.
منظمة هيومن رايتس، قالت بأن أمين عام الأمم المتحدة وضع التحالف بقيادة السعودية في لائحة الأطراف المنتهكة للطفولة في اليمن، لكنه أزال التحالف من قائمة الاعتداء على المدارس والمستشفيات. اعتبرت ذلك معايير مزدوجة و تبييض للوضع.
وكعادته في كثير جبهات، لم يكن التحالف صادقا في الحسم العسكري لمعركة الحديدة . رغم حالة التجييش الكبيرة والحشود والآليات العسكرية الضخمة التي دخلت معركة الحديدة. لكن سرعان ما تلاشت الهالة الاعلامية وخبت الوهج القتالي إلى أدنى درجاته، بل في أوج ذروة المعركة، كان وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتية أنور قرقاش يصرح بأن هدف المعركة دفع الحوثيين إلى مائدة المفاوضات.
من الواضح ان اليمن لا تزال رهينة الحسابات السياسية الضيقة للتحالف ومثلها الأمم المتحدة ومنظماتها غير الانسانية، فيما يدفع المدنيون ثمنا باهظا من حيواتهم على كل المستويات.
ودون اعتبار للحكومة وللرئاسة اليمنية، أعلن قرقاش مؤخرا وقف مؤقت لمعركة الحديدة كي يتسنى الوقت لنتائج جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث.
مثل ذلك صفعة للحكومة والرئيس هادي الذي عاد إلى عدن بموجب ما تردد حينها عن تفاهمات جرت بينه والقيادة الإماراتية خلال زيارته الأخيرة إلى أبوظبي.
وعدت عودته إلى عدن أيضا بمثابة عودة للإشراف على معركة الحديدة. لكن عبث الإمارات لا يتوقف عند حدود معينة.
جرى تقزيم أهداف المعركة والتي يفترض أنها تأتي ضمن معركة وطنية أشمل حتى استعادة الشرعية على كامل التراب اليمني، وتأمين الملاحة البحرية الدولية وإمدادات السلاح والصواريخ عبر ميناء الحديدة.
من الواضح ان اليمن لا تزال رهينة الحسابات السياسية الضيقة للتحالف ومثلها الأمم المتحدة ومنظماتها غير الانسانية، فيما يدفع المدنيون ثمنا باهظا من حيواتهم على كل المستويات.
حالة التجييش للمعركة والتي دفعت آلاف المدنيين لمغادرة مدينة الحديدة، دفعتهم للتشرد وسط ظروف انسانية مؤلمة.
على مدخل مدينة عدن، كانت الصورة أوضح لإنعدام الانسانية واستخدام المدنيين كورقة سياسية بعد ان منعت قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات النازحين من دخول المدينة.