أما النقطة الثانية، فهي وعد بإخلاء مطار الريان والبدء بتشغيله بل وتسيير رحلات لطيران الاتحاد التابع لحكومة أبوظبي إلى هذا المطار المغلق منذ ثلاث سنوات.
تتصرف أبوظبي في حضرموت كما في عدن وسقطرى، وبقية المحافظات الجنوبية عدا المهرة كما لو كانت هذه المحافظات تابعة إدارياً لإمارة أبوظبي.
جزء من هذا السلوك منشأه يعود إلى رغبة صميمية بإقصاء السلطة الشرعية وتجاوز دورها من قبل هذه الدولة المنشغلة بمكانتها الإقليمية وبتوسيع مجال نفوذها الحيوي ليشمل أوسع مساحة جغرافية في المنطقة العربية، محكومة بإغراءات الرضا الإمريكي عن دور الإمارات وعن الخدمات اللوجستية التي تقدمها لصالح القوى العظمى في العالم.
لكن من الواضح أن الإمارات تواجه إشكالية تغول النفوذ السعودي، في حضرموت الذي تمارسه عبر الجالية الحضرمية النافذة في السعودية، وعبر تحالف قبائل حضرموت، وعبر شبكة من الوجهاء النافذين في حضرموت نفسها.
كما لا يجب أن ننسى بقاء المنطقة العسكرية الأولى خارج نفوذ الإمارات وهي التي تسيطر على مناطق الوادي والصحراء وتتحكم بالحدود اليمنية السعودية، وقوامها ينتمي إلى عسكريين ينتمون في الأساس للمحافظات الشمالية.
لقد فشل أحمد سعيد بن بريك عندما كان محافظاً في تقديم صورة حقيقية عن وحدة الموقف الحضرمي عبر ما أسمي بـ: مؤتمر حضرموت الجامع الذي عقد في إبريل 2017.
فقد تمت مقاطعة ذلك المؤتمر من أكثر الشخصيات التصاقاً بالشأن الحضرمي، وحضوراً في الميدان وعلى رأسهم المهندس عبد الله بقشان، وهو موقف فُسِّرَ حينها بأنه نأي بالنفس عن الخطط التي تقف وراءها أبوظبي، عبر أدواتها التي تأتلف حول مشروع الدولة الجنوبية.
كانت حضرموت والمهرة من أقل المحافظات حماساً للإعلان عن تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي على الرغم من أن الإمارات هي من يقف ويدعم هذا المجلس ويوفر له الغطاء السياسي والأمني.
هذا المجلس يلقى رفضاً شديداً من كل التشكيلات التي تحمل قضية حضرموت باعتبارها هوية منفصلة وقائمة بذاتها، نذكر منها العصبة الحضرمية وحلف قبائل حضرموت، وغيرها.
تواجه الإمارات إشكالية تغول النفوذ السعودي، في حضرموت الذي تمارسه عبر الجالية الحضرمية النافذة في السعودية، وعبر تحالف قبائل حضرموت، وعبر شبكة من الوجهاء النافذين في حضرموت نفسها
لقد تحدثت إلى القيادي في العصبة الحضرمية صالح باسويد فوجدت تذمراً كبيراً منه ومن رفاقه من الخطاب الذي يمزج حضرموت مع الهوية اليمنية الجنوبية، ويؤكد على أن حضرموت الحضارة والدولة إما أن تستعيد هويتها أو أن الأجدر بها أن تبقى جزء من اليمن الموحد، كل هذا يؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي لا أثر له ولا حضور.
ومما يؤكد هذا التوجه الصريح لأبناء حضرموت ونخبتها، رفض حلف قبائل حضرموت رفع أي علم غير أعلام الحلف في الاحتفالية التي أقامها بالمكلا في الذكرى السنوية الأولى للهبة الحضرمية في 21 ديسمبر المنصرم، وكان المقصود من وراء هذا التصرف هو إبعاد أجندة المجلس الانتقالي على وجه التحديد والتعاطي معها على أنها موضوع يخص اليمن الجنوبي، بما هي هوية جهوية تنصرف إلى المثلث الجغرافي الأكثر فقراً موارداً في اليمن والذي يضم أبين ولحج وعدن.
نستنتج مما سبق ألا تتطابق في الأجندات السعودية والإماراتية في حضرموت، وهذا يصعب مهمة أبوظبي وولي عهدها على وجه الخصوص، وربما يقلص من أحلامه في إقامة امبراطوريته على الجغرافية اليمنية الموجوعة.