أي ظهور الثورات وكأنها سياسية وتتعلق بالاستبداد فقط. بينما هي ثورات، ذات جذور اجتماعية، سياسية، اقتصادية، وثقافية. وهذا هو منبع أصالتها وما يجعلنا نعتقد أنها ليست مجرد رياح عابرة.
في الموجة الثورية الأولى في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، كان واضحا أن نظم الاستبداد التي حولت السلطة والدولة إلى ملكية خاصة، بمثابة المحرك الأساسي للانتفاضات، وقد تجلى ذلك من خلال تحول تونس بن علي إلى شركة خاصة بالأسرة، وعزم مبارك وصالح على توريث الكرسي لأبنائهما بعد عقدين من التكاذب حول الديمقراطية، وكان بشار قد ورث عن أبيه الرئاسة في بلد نظامه جمهوري وعبر مهزلة شهدها العالم اجمع ومثلت بتعديل الدستور لكي يتناسب مع عمره.
ليبيا كان وضعها الأسوأ رغم اكتشاف النفط فقد ظلت مجرد خيمة بدائية يحكمها رجل مجنون وسفيه.
اليوم أصبح معروفا أن ثورة السودان اندلعت في اليوم الثاني لذهاب البشير إلى سوريا للتطبيع مع نظام هو خليط من الاستبداد والجريمة الوحشية، وكان الرئيس السوداني بذلك يقدم على محاولة إسدال الستار على موجة ثورية استمرت ثمانية أعوام، لتطمين نفسه في المقام الأول وتملق مزاج الثورة المضادة الطاغي في المنطقة في المقام الثاني، وفي المقام الثالث التمهيد لإخراج طبخة تعديل الدستور إلى السطح ليتمكن من الترشح لولاية جديدة.
ثمة وشوشات ظلت تدور في مخادع النظام حول تعديل الدستور من أجل فترة رئاسية جديدة، لكن قبل أن تظهر هذه الوشوشات إلى السطح، كان الشعب السوداني قد فهم الرسالة التي اراد البشير بعثها، فكان جوابه بليغا وعلى هذا النحو المتواصل منذ شهرين ونصف.
دخلت الشعوب التي قامت بموجة الثورات الأولى في سيرورة ثورية وصراع مع الثورات المضادة، قد تطول وقد تقصر، ثم كان للبشير ـ بحسب ما سيكتب التاريخ ـ شرف فتح الباب أمام اندلاع موجة ثورية جديدة ستبدأ به ولا أحد يعلم بمن ستنتهي.
الشعوب لا يمكن أن تقامر بأوطانها إلا عندما تصل إلى حائط مسدود وتصبح هي موضوع للمقامرة. هنا يصبح سيان ما سيحدث، المهم أن يحدث وقد فعل شيئين: الإطاحة بالنظام وفتح نافذة واسعة للأمل. الوقود التاريخي للشعوب هو الأمل، وهذا ما لا يمكن الاستغناء عنه .
دخلت الشعوب التي قامت بموجة الثورات الأولى في سيرورة ثورية وصراع مع الثورات المضادة، قد تطول وقد تقصر، ثم كان للبشير ـ بحسب ما سيكتب التاريخ ـ شرف فتح الباب أمام اندلاع موجة ثورية جديدة ستبدأ به ولا أحد يعلم بمن ستنتهي.
في الجزائر نفس الشيء، هذه المشاهد التي يبثها الإعلام كل يوم ليست غريبة على شعب شجاع كالشعب الجزائري، لكن كان يجب أن تصل الملهاة إلى نهايتها وقد حدث هذا مع إعلان الرئيس (الجثة) نيته للترشح لولاية خامسة.
بالتزامن مع الموجة الثورية الثانية، يبدو أن الدرس لا يزال غير واضحا، إلى جانب تحول كثير من أنظمة المنطقة إلى تروس في عجلة الثورة المضادة، فإن مصر التي شهدت ثورتين وانقلابين خلال أربع سنوات، ستصبح حبلى بدافع إضافي لتجدد رياح الثورة، في حال نجحت مساعي السيسي في تعديل الدستور بما يتيح له الترشح لولايتين جديدتين.
إذا لم يلتحق المصريين بالموجة الثورية الثانية لظروف مفهومة لكنها غير مستحيلة، فالمؤكد أنها ستكون أول من يتصدر الموجة الثورية الثالثة.
ولن تخمد الثورات إلا مع انتهاء مسخرة مادة الدستور تلك وأيضا سقوط أخر نظام استبدادي في المنطقة مهما كان شكله.
وهنا تحديدا يمكن إذاعة بيان الظفر بالمواطنة المتساوية وتجسيدها واقعا كأحد شروط الولوج للعصر، وكتدشين للطور الثاني من برنامج الثورة.