مبدئيا يجب الاشارة لحقيقة أساسية قبل الدخول في مناقشة التقرير وهي أن الترجمة التي بين أيدينا ليست الترجمة الرسمية، وتأسيسا على هذه الحقيقة هناك إشارات على أنها ترجمة منحازة أو غير دقيقة اذا احسنا النوايا.
وعلى سبيل المثال، استخدم النص الإنجليزي كلمة offensive التي تعني هجومي لوصف الحملة العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية والامارات على الحديدة، لكن الترجمة العربية غير الرسمية استخدمت كلمة عدوان "aggression".
إذن لنقرأ التقرير بعناية وبدون أحكام مسبقة، ونضيء على ما ورد به سواء كان ايجابيا أو سلبيا، متوخين الموضوعية ما استطعنا.
بعيدا عن حقيقة ان هناك جرائم اقترفتها السعودية والامارات والتي من أشدها هدم الشرعية من الأساس، فإننا ينبغي إعمال الموضوعية ونحن نتناول تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان حول اليمن.
لذا سأركز على مناقشة منهجية التقرير وأطره القانونية والسياسية.
يقول فريق الخبراء المكون من كمال جندوبي(تونسي)، وتشارلز غاراواي (بريطانيا)، ميليسا بارك (استراليا) أن التقرير لا يدعي شمولية في توثيق الحوادث ذات الصلة في الفترة الممتدة من 1 سبتمبر 2014 الى 30 يونيو 2018، إلا أنه يؤكد على ان التقرير يبين أبرز أنماط الانتهاكات.
ينبغي الإشارة إلى النقاط التالية:
1. في ما يتعلق بالمدة المشمولة بالتقرير، الحدود الزمانية: يمكن القول أن اختيار 1 سبتمبر 2014 كان موفقا من (الناحية الإجرائية)، لكن اختيار موعد نهاية الفترة التي يغطيها التقرير وهو 30 يونيو 2018 لم يكن كذلك، والسبب أن تقرير تمتد حدوده الزمانية لأربع سنوات تقريبا، وموضوعه معقد، والأطراف الفاعلة فيها متعددة، كان يحتاج إلى وقت أطول لمعالجة أوجه القصور في التقرير ومن ثم صياغة التقرير بطريقة أفضل.
برأي لو اكتفى التقرير بتغطية الفترة من 1 سبتمبر إلى نهاية 2017 لكان أفضل، ولكان قدم تقريرا أكثر تماسكا من الذي تم تقديمه.
2. الحدود الموضوعية للتقرير تتمثل في القيام بتوثيق أبرز الانتهاكات، وتحديد الجهات المسؤولة عنها.
في هذا النقطة تحديدا، هناك مشكلة تتعلق بإغفال نمط من أهم الانماط التي تتعلق بالانتهاكات وهو زرع الألغام، إن استبعاد هذا الانتهاك لا يمكن أن يكون مبررا علميا، نعلم أن أكبر انتقاد يمكن أن يوجه للبحوث العلمية هو الانتقاء مما يتطلب المزيد من الإجراءات لتخفيف مضار هذا الانتقاء، وتأثيره على مسار البحث ونتائجه. لكن ما يمكن استنتاجه من هذا التجاهل هو أن هناك نية لعدم التطرق إلى هذا الانتهاك كونه يتعلق بجهة واحدة وهو ميليشيا الحوثي، لا يوجد سبب واحد للتجاهل.
3. في المصطلحات، وصف التقرير ميليشيا الحوثي بسلطة الأمر الواقع، وقدم مبررين لهذا الأمر، الأول أن ميليشيا الحوثي تسيطر على صنعاء والمناطق الأخرى التي تعيش فيها الغالبية العظمى من السكان. اما الثاني وهو الأخطر فقد ورد ضمن الإطار القانوني: الفقرة 14: تسيطر سلطات الامر الواقع على مساحات شاسعة من الأراضي بما في ذلك صنعاء وتمارس في تلك المناطق وظيفية مشابهة لوظيفة الحكومة، وبهذا تكون مسؤولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
إن توصيف سلطات الأمر الواقع هو توصيف صحيح، فهو يشير إلى حالة غير شرعية، لكنه يستمد سلطته من القوة القهرية، لكن المشكلة ليست هنا، باعتقادي أن الأمر الخطير الذي لم يذكره التقرير بشكل صريح لكنه يفهم من التقرير وهو ما يمكن أن نضعه تحت بند المسكوت عنه، هو أن ميليشيا الحوثي حكومة غير شرعية (يمكن أن تتحول لسلطة شرعية بمرور الوقت)، لكن السلطة المقابلة لم تصل بعد إلى مستوى سلطات الأمر الواقع، فالجنوب وتعز هي أرض يحكمها مجموعة من الفصائل المسلحة المتصارعة.
والنتيجة التي يريد التقرير الوصول اليها بغض النظر عن مصداقيتها هي وجود سلطات امر واقع في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وعدم وجود سلطات من أي نوع في المناطق الأخرى.
4. وصف عبدالملك الحوثي بقائد الثورة من الناحية المنهجية يعد خطأ اصيلا، فميليشيا الحوثي في نهاية المطاف هي أحد أطراف الصراع القائم في اليمن، وبالتالي الوصف الملائم هو زعيم تلك الجماعة.
(القول أنه زعيم الثورة يوحي بأن عبدالملك الحوثي قد استتب له الأمر، وبالتالي أصبح في اليمن نظام يعترف بتراتبية معينية ومعترف بها، وهذا ما ليس قائما على الأقل في الفترة التي يغطيها التقرير).
مبدئيا يجب الاشارة لحقيقة أساسية قبل الدخول في مناقشة التقرير وهي أن الترجمة التي بين أيدينا ليست الترجمة الرسمية، وتأسيسا على هذه الحقيقة هناك إشارات على أنها ترجمة منحازة أو غير دقيقة اذا احسنا النوايا.
5. في أدوات التحقق: اعتمد فريق الخبراء معيار الإثبات التالي: توفر أسباب وجهية للتصديق". وكما هو واضح فهذا المعيار فضفاض وغير محدد، ويمكن أن تتحكم فيه المشاعر الشخصية، والانحيازات المسبقة. ينبغي أن يكون معيار الإثبات واضح بحيث يمكن التحقق من الروايات المختلفة.
6. في الإطار القانوني: أبرز نقطتين يمكن الإشارة إليهما هما أن الصراع في اليمن غير دولي، ومسألة الوظيفة الحكومية التي تقوم بها ميليشيا الحوثي.
يشير القول بأن الصراع في اليمن غير دولي إلى أن سلطات الأمر الواقع ليست سلطة شرعية ولا يمكن أن تكون ممثلة لليمن، إذ لو كانت السلطة سلطة شرعية لوجب تصنيف الصراع في اليمن بأنه صراع دولي اتساقا مع ما هو معلوم في اديبات العلاقات الدولية وبالذات النظرية الواقعية التي لا تعترف سوى بالنظام الدولي والدول، ولا تعترف بما سواهما.(الدور الذي يقوم به ما يطلق عليه الفاعل غير الرسمي في العلاقات الدولية أو السياسة الداخلية مسألة مهمة لكن ليس هذا وقت مناقشتها، لكن يبدو أن باحثي التقرير قد انحازوا للنظرية الواقعية في تحليل الصراع الدائر في اليمن).
7. في السياق أو ما يمكن أن نطلق عليه الاطار السياسي: تحدث التقرير عن ثورة شعبية ضد علي عبدالله صالح، مشيرا إلى أبرز الأحداث السياسية والعسكرية، مختتما الفقرة باستيلاء الحوثيين والمجموعات المسلحة المتحالفة مع صالح على صنعاء وإحكام السيطرة عليها.
الغريب في هذا العرض الخاطف، هو تسمية أطراف الصراع في اليمن في سبتمبر 2014 على النحو التالي: قوات موالية للحكومة والرئيس هادي والحوثيين ومجموعات مسلحة، وهذا أمر غير مفهوم، فما دام هناك قوات حكومية، فمن الأجدر وصف من يقاتلها بالقوات المتمردة، خصوصا أن هذه القوات لديها هدف سياسي وهو السيطرة على السلطة.