القت الناشطة اليمنية توكل كرمان والحائزة على جائزة نوبل للسلام كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي السابع " العلم من اجل السلام" بمدينة ميلانو-إيطاليا.
وقالت كرمان: في البداية أود أن أعبر عن سعادتي بوجودي بينكم، صحيح أن الموضوع الذي اجتمعنا هنا من أجله لا صلة له بمشاعر ايجابية مثل السعادة، لكن وجود أشخاص يعملون بكل اخلاص من أجل عالم خالٍ من العبودية والاتجار بالبشر لا شك أنه خبر مفرح للغاية، ويستحق التقدير.
نص الكلمة:
اصدقائي الأعزاء
على مدار التاريخ، كانت غالبية الناس تعيش ظروف صعبة ومحزنة، فقد كانوا عرضة لكل أشكال الاضطهاد والتمييز المقيت والإرهاب.. لم تكن قد تبلورت فكرة الدولة ومبادئ القانون والعدالة والمساواة والمواطنة كما هو الحال اليوم، ونتيجةً لذلك، فقد ازدهرت تجارة ملعونة هي العبودية والاتجار بالبشر، وصار بإمكان فئة قليلة من البشر تمتلك القوة والمال أن تتحكم في مصائر الكثير من الناس، ولم يكن ذلك عادلا أبدا..
عاشت البشرية أحزانا طويلة بسبب العبودية، وعندما بدأت فكرة الدولة الوطنية ومبادئ حقوق الإنسان في البزوغ مع الثورتين الفرنسية والأمريكية في القرن الثامن عشر تصور كثيرون أن الطريق إلى دفن العبودية سيكون يسيرا، ولن تتخلله صعوبات كبيرة، لكن ما حدث خلاف ذلك، فقد دفع الإنسان أثمان باهظة للتخلص من هذا العار لمجرد أن هناك من أعتقد أنه يناسبه أن يبقى هذا العار بعيدا عنه..
اليوم، بعد أن تخلص الإنسان -أو يكاد- من الصيغة القديمة للعبودية التي كانت موجودة قبل مئات السنين، يجب أن نحشد جهودنا لمكافحة العبودية بصورها الجديدة، فمن غير المعقول أن نخرج العبودية من الباب لتعود من النافذة..
أصدقائي الأعزاء
إن العبودية الحديثة والاتجار بالبشر يتخذان أشكالا متعددة البعض يمكن ملاحظته بسهولة، والبعض الآخر يحتاج لبذل المزيد من الجهد لملاحظته والتنبيه لخطورته لانتهاكه كرامة الإنسان وحريته.
الحقيقة أنه لا تنقصنا معرفة ماذا يعني الاتجار بالبشر وماذا تعني العبودية الحديثة، فهناك الكثير من الجهد تم بذله في هذا المضمار، فمنظمة العفو الدولية تعتبر الاتجار بالبشر انتهاك لحق الإنسان في السلامة الجسدية والعقلية والحياة والحرية وأمن الشخص والكرامة والتحرر من العبودية وحرية التنقل والصحة والخصوصية والسكن والأمن، أما منظمة الأمم المتحدة فقد عرفّت الاتجار بالبشر بأنه تجنيد أو نقل أو انتقال أو إيواء أو استقبال أفراد عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو أي صور أخرى للإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال النفوذ أو استغلال نقاط ضعف أو منح أو تلقي الأموال أو الامتيازات للحصول على موافقة شخص له سلطة على شخص آخر بغرض الاستغلال لأغراض الدعارة أو صور أو الاستغلال الجنسي أو العمالة أو الخدمة القسرية أو العبودية أو الممارسات الشبيهة بها أو الأشغال الشاقة أو انتزاع الأعضاء إلى غير ذلك.
اصدقائي الأعزاء
لقد آن الأوان، لنعلن أن العالم لا يسير في الاتجاه الصحيح، فالإتجار بالأطفال، والنساء، والسجناء، وتجارة الأعضاء البشرية، والرق، والدعارة، واستغلال العمال على نحو ظالم وغير منصف، وتجنيد الصغار في الحروب والأعمال القذرة، أعمال تشير إلى أننا نخون مبادئنا، وقيمنا الحضارية التي توصلنا لها بعد مسيرة كفاح ونضال طويلة تعود لمئات السنين.
اصدقائي الأعزاء
كل شيء قد يسقط في فخ العبودية الحديثة إذا لم تتوافر الشروط الموضوعية والعادلة التي تمنع استغلاله على نحو يجعله أشبه بما كان يحدث قبل الغاء الرق والعبودية. إن اجبار شخص -ما- على العمل ساعات طويلة ومن دون أن يكون من حقه التمتع بأي نوع من أنواع التأمين هو نوع من العبودية.
اليوم، ووفقا لمنظمات دولية معتبرة، فإنه يوجد أكثر من أربعين مليون إنسان ما بين رجل وامرأة وطفل يعانون من "العبودية الحديثة"، وأن أيا من دول العالم لا تخلو من وجود العبودية فيها، لكن بنسب متفاوتة.
وباعتقادي أنه يوجد اضعاف اضعاف اضعاف هذا الرقم يمكن القول أنهم أيضا يعانون من "العبودية الحديثة"، فالذين يعيشون في ظروف اضطهاد سياسي ولا يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية أو التصرف وفق ارادتهم الحرة نتيجة الاستبداد والارهاب، هم معروضون لكافة أنواع القمع والتهديدات والاستغلال.
لا شك أن هذه مؤشرات غير جيدة وغير مطمئنة، ولذا من الضروري العمل بشكل حثيث، وبذل جهود أكبر لمحاصرة مصادر العبودية ومسمياتها المختلفة، واتخاذ خطوات عملية لمنع كافة اشكال الاتجار بالبشر، لا يمكن أن تكون حرية الإنسان، جسده، طاقته، كرامته، سلعة قابلة للبيع والشراء مثل اثاث المنزل وقطع غيار السيارات، فهذا أمر لا يمكن تصوره أو قبوله من الناحية الاخلاقية.
أصدقائي الأعزاء
لنقف في وجه هذا الطوفان، تحتم علينا العدالة والإنسانية ذلك، ومصلحتنا أيضا، أن نكافح العبودية والاتجار بالبشر واستغلالهم، هذا العالم لكي يصبح آمنا يجب أن لا يكون عالما للضحايا والمقامرين وحسب. لنعمل على أن لا يكون هناك ضحايا، وأن لا يكون هناك أشخاص يقومون باستغلال البشر. هذه مهمة نبيلة للغاية، وتحتاج لجهودنا جميعا.
العلم طريق للسلام .. والسلام طريق للعلم والابداع،
العلم والتنوير ومايجلبانه من قبول وتعايش وتشارك واعتراف بالاخر وقبول به وجهان لعملة واحدة،
كما أن الجهل والتوحش ومايجلبانه من نزاع واقتتال وعنف وحرب دامية وتحقير وسحق للمجتمعات وجهان لعملة واحدة كذلك.
لقد امنت دائما ان لاسلام ولا استقرار دون محتمع المعرفه تتدفق فيه مقعدير هائلة ونستدامة من العلم والمعرفة والابداع
كما آمنت دائما ان الوصول لمحتمع المعرفه والابداع طريق شاق يمر فقط عبر السلام والاستقرار
شكرا لكم..