يأتي الإعلان عن المشروع الصحفي الخاص بفيسبوك في أعقاب التدقيق المتزايد على دور الشبكات الاجتماعية، باعتبارها موزعاً للأنباء، حيث تم اتهام الشركة بالفشل في التصدي لانتشار المعلومات الخاطئة في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يمتلك فيسبوك وجوجل نصيب الأسد من إيرادات الإعلانات على الإنترنت، في حين تضطر غرف الأخبار إلى خفض التكاليف وتسريح العمالة، حسبما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية.
وقد كُشف النقاب من قبل عن العديد من الإجراءات الخاصة بمشروع فيسبوك للصحافة ب
فيسبوك يحدث ثورة جديدة في صناعة الاخبار ويعلن عن مشروع لتدريب الصحفيين.. إليك تفاصيله
شكل منفصل، ولكن هذا الإعلان يسلط الضوء على التزام الشركة تجاه مسألة المحتوى الذي تقدمه وكالات الأنباء.
تفاصيل المشروع
قالت فيجي سيمو، مدير المنتجات بفيسبوك والمسؤولة عن المشروع الجديد "لقد كنا نعمل على هذا المشروع منذ فترة طويلة. إذ إن شركاء فيسبوك الإعلاميين يريدون منا ارتباطاً أكبر، ليس فقط على مستوى الأعمال التجارية، ولكن على مستوى الإنتاج والتصميم".
وقالت سيمو إن هذا البرنامج يرتبط بقيم تحديثات الأخبار التي أعلن عنها فيسبوك في يونيو/ حزيران 2016. وفي إحدى المدونات كشف نائب رئيس موقع فيسبوك لإدارة المنتجات، آدم موسيري، عن أن الدور الرئيسي لهذا البرنامج هو إظهار المحتوى الخاص بالأقارب والأصدقاء، ولكن ثمة هدفان آخران وهما الإعلام والترفيه.
وقالت سيمو "نحن نعمل على ضمان أن يكون المشروع الجديد مزدهراً باعتباره جزءاً من محور"الإعلام".
وتابعت سيمو مؤكدةً على كلمات مارك زوكربيرغ في أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول "نحن لسنا شركة إعلام تقليدية، كما أننا لسنا شركة تكنولوجيا تقليدية أيضاً".
وأوضحت "نحن نبني التكنولوجيا التي تساعد الناس على التواصل وتجعلهم على علم بما يجري. وهذا يعني أن نعمل بشكل جيد في مجال صناعة الأخبار".
ويأتي هذا الإعلان بعد أسبوع من تعيين موقع فيسبوك مقدمة الأخبار السابقة بقناة CNN كامبل براون، وذلك من أجل قيادة فريق الأخبار المكون من شراكات مختلفة.
يُذكر أن ثمة تواصلاً بالفعل بين وكالات الأنباء الكبرى وبين هذا الفريق بشكل منتظم، ولكن في الوقت الحالي ستحظى هذه الوكالات بإمكانية للوصول إلى مهندسي التكنولوجيا بالشركة من أجل تطوير المنتجات بشكل تعاوني، سواء كان الأمر يتعلق بشكلٍ جديد بالقصص أو الإعلانات. وهذا التعاون يأخذ شكل الموائد المستديرة أو الهاكاثون أو حتى نظام الاجتماعات المشتركة على الإنترنت.
ومن أحد الأمثلة على أنواع المنتجات التي سيجري إطلاقها، والتي تشمل وسيلة لتقديم حزم من المقالات على موقع فيسبوك (وهي الميزة المطلوبة من قِبل غرف الأخبار)، ما يُسمى بـ"المجموعات": وهي عبارة عن الإعلانات التي تظهر أثناء عرض الفيديو أو البث الحي. وهي أيضاً الأداة التي تسمح للقُرّاء بالاشتراك في المنشورات مباشرة من خلال الفيسبوك. وبذلك فإن البث الحي عن طريق فيسبوك سيسمح للناشرين بتعيين الصحفيين باعتبارهم مُساهمين، كي يتمكنوا من تسجيل بث مباشر نيابة عن الصفحة دون الحاجة إلى تفاصيل تسجيل الدخول لحساب الفيسبوك الخاص بالناشر.
وقالت كلير واردل من منظمة First Draft News "أنا في حالة من السعادة لرؤية حجم هذا البرنامج. إنه بمثابة الاعتراف بأن موقع فيسبوك يعتبر نفسه جزءاً من النظام البيئي للأخبار".
وتابعت "في الماضي، كان من الصعب على وكالات الأنباء أن تصبح على اتصال بالمهندسين، ولم يكن لدى المهندسين أي استيعاب لما يجري في صناعة الأخبار".
واتفق شاليش براكاش، رئيس قسم المعلومات في صحيفة واشنطن بوست مع ما ذُكر. إذ قال "عادةً نسمع عن أحد المنتجات فقط بعدما يُنجز جزء كبير منها"، مستشهداً بالمقالات الفورية كمثال على ذلك.
وأضاف "حتى مع الكشف المبكر عن أحد الشركاء، اتُّخذ القرار الكبير بالفعل فيما يتعلق بالسطح البيني للمستخدم وسير العمل. سيكون أكثر فاعلية إن استطعنا أن نكون متأهبين في البداية".
وفقاً لبراكاش، يعني الإعلان عن هذا المشروع أن المكالمات الهاتفية الأسبوعية بين واشنطن بوست وفيسبوك سوف تستكمل من خلال اجتماعات شهرية تُجرى وجهاً لوجه. ولم يتضح حتى الآن عدد المؤسسات الأخرى التي ستصل إلى هذا المستوى. وترى ميليسا بيل، الكاتبة بموقع Vox Media، أن هناك قيمة في التعاون بشكل أكثر فاعلية ليس فقط مع الفيسبوك، ولكن مع الناشرين الآخرين.
وأضافت "في الماضي، كان هناك الكثير من الأسئلة التي يحاول الجميع الإجابة عنها بشكل مستقل، مما أدى إلى تباطؤ عملية التقدم". وتابعت "من الضروري لهذه الصناعة أن نتعاون من أجل صناعة إعلام مربح وجدير بالثقة ومثمر".
الأخبار الخاطئة
وفيما يتعلق بالتصدي لانتشار المعلومات الخاطئة على هذه المنصة، كرر فيسبوك مؤخراً الأخبار المتعلقة بالشراكة التي أُعلن عنها مؤخراً مع شركات خارجية متخصصة في التدقيق بالحقائق، فضلاً عن خطط فيسبوك لوقف وضع الإعلانات على المواقع المخصصة لـ"لأخبار الكاذبة".
كما تعهدت الشركة بنشر المعرفة الإخبارية بين مستخدمي فيسبوك عبر تدابير تتضمن سلسلة من إعلانات الخدمة العامة.
وقالت واردل "أعتقد أن المنصات المختلفة يمكنها أن تفعل الكثير في هذا الشأن"، مشيرة إلى ضرورة تضمين وسائل الإعلام باعتبارها أدوات لمحو بعض المنشورات، على سبيل المثال، عند نقطة ما من مُشاركة إحدى القصص بين المستخدمين، يتدخل فيسبوك للتعامل مع القصص التي جرى فحصها من قِبل شركاء فيسبوك المتمثلين في شركات التدقيق في هذه الحالة.
وتابعت "ماذا يجب علينا أن نفعل عندما يُشارك أحدهم بشكل منظم محتوى غير مرغوب فيه؟ وبدلاً من اتباع أدوات فيسبوك التقليدية في التعامل مع الموضوع، نحتاج إلى أدوات جديدة".
دورات فيسبوك
سيتضمن المشروع أيضاً توسيع التدريب الذي يقدمه فيسبوك لوكالات الأنباء الكبرى ليشمل وكالات الأنباء المحلية الصغيرة التي عادةً ما تُصارع للوصول إلى عملاق الشبكات الاجتماعية. سوف يطلق فيسبوك أيضاً دورات تعليم إلكتروني بلغات متعددة، وسيقدم أداة تحليلية تدعى (CrowdTangle) مجاناً لشركائه. كما سيساعد فيسبوك أيضاً في التجربة الأولى لمشروع مجتمع التحقق الافتراضي (virtual verification community) الخاص بشهود العيان الذين يظهرون أثناء ورود الأخبار العاجلة.
وقال كل من واردل وبراكاش إنهما يودان أن يصبح فيسبوك أكثر انفتاحاً فيما يتعلق بالبيانات الخاصة به. بالنسبة لواردل، فإنها مسألة ترتبط بمساعدة الباحثين المستقلين على التحقق من القرارات التي يتخذها الموقع. على سبيل المثال، هناك أبحاث في علم النفس الاجتماعي تشير إلى وجود ما يُعرف "بالأثر المرتد" المتعلق بقصص الفضائح، التي تجعل بعض الناس أكثر عرضة لمتابعة تلك القصص. تقول واردل "يعد ذلك مثالاً على اللحظات المهمة التي نتخذ فيها قرارات كبيرة. أرغب في رؤية المزيد من الأدلة في هذا الصدد".
من ناحية أخرى، يريد براكاش المزيد من البيانات حول كيفية تفاعل المستخدمين بموقع فيسبوك مع المحتوى الإخباري . على سبيل المثال، إلى أي مدى يتفاعل المستخدمون مع المقالات الفورية، وما المدة الزمنية التي يستغرقها المستخدمون في مشاهدة الفيديوهات.
قال براكاش "آمل أن تمنحنا المُشاركة في هذه الاجتماعات (اجتماعات المائدة المستديرة) أكثر من صوت حتى تتفهم إدارة فيسبوك لماذا نريد هذه البيانات".
أما واردل فقد قالت "لا أعتقد أن كل هذه المبادرات ستفلح، ولكنهم في الحقيقة يحاولون بذل كل ما بوسعهم، وهو ما يجب أن ننظر إليه باعتباره أمراً إيجابياً".
ومع ذلك، فقد أنهت حديثها بطلب مهم لا يزال معلقاً، قالت فيه "أتمنى حقاً أن يعينوا رئيساً للتحرير".