حصل الباحث اليمني جمال الجهلاني على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث بتقدير "امتياز" برسالته الموسومة "صورةُ المرأةِ في الروايةِ اليمنيةِ مع انطولوجيا وملحقٍ بيبليوغرافي" في جامعةِ سيدي محمدٍ بن عبدِالله كليةِ الآدابِ ظهرِ المهرازِ فاس بالمملكة المغربية وهدفُت الدراسةُ إلى تتبعِ واستنباطِ صورةَ المرأةِ في الروايةِ اليمنية وإبرازِ مرجعياتِ الخطابِ الروائيِ اليمني، والكيفيةِ التي اشتغلَ بها الروائيونَ وتقديمِ الرؤيةِ الأدبيةِ والإنسانيةِ للكتّابِ الذينَ تعاملوا مع المرأةِ في كتاباتِهم، وكيفيِة تجسيدِهم لصورةِ المرأةِ، وتتبعت الدراسة الروايات اليمنيةِ الصادرة ما بين عامي 1927م و 2014م.
وحاولت الدراسة التأكيد على أن صورةَ المرأةِ في الروايةِ اليمنيةِ في جلِها عبارةٌ عن توصيفٍ وإعادةِ إنتاجٍ لما هو موجودٌ في الواقعِ ومتماشيةٌ معه تطورا وتخلفا، مع ندرة محاولة ايجاد صورةً مغايرةً لمجرياتِ الواقعِ وأحداثِه وصراعاتِه وما يحدث من تهميشٍ واضطهادٍ واستغلالٍ للمرأةِ على كلِ الأصعدةِ “الأسرةِ والأفرادِ والمجتمعِ والمنظماتِ والأحزابِ والسلطِات”.
وحاولُت الدراسةُ إثباتَ ذلك من خلالِ النصوصِ التي عكست الواقعَ الحقيقيَ للمجتمعِ بين دفتِيها بأسلوبٍ لا يخلو من التخيُلِ وتوصلت إلى عدد من النتائجُ منها:
1: أن صورةَ المرأةِ في كثيرٍ من الرواياتِ اليمنيةِ تبرزُها على أنها ربةُ بيتٍ مخلصةٍ متفانيةٍ في عملها وفي خدمةِ أسرتِها كزوجةٍ وأمٍ وأختٍ وابنةٍ وقريبةٍ برضىً وقناعةٍ تؤمرُ فتطيع. وهي في الغالبِ امرأةٌ بسيطةٌ، أميةٌ محدودةُ التفكيرِ، عديمةٌ الطموحِ، خاضعةٌ مستسلمةٌ، منقادةٌ للرجلِ والأسرةِ والمجتمعِ والسلطةِ بشكلٍ عام. وتتحكمُ فيها وتسيرُها العاداتُ والتقاليدُ المتوارثةُ تؤمن بالشعوذةِ والخرافةِ، وتعتقد بالأضرحةِ والأولياءِ.
2 : أنَّ صورةَ المرأةِ في الروايةِ اليمنيةِ ليست على نسقٍ واحدٍ فهي متغيرةٌ ومتطورةٌ حتى لو كانت صورةً نمطيةً. وفي الغالبِ كانت المرأةُ تابعةً للرجلِ لا رأيَ لها ولا أثرَ وتعاني من الأميةِ والاضطهادِ والاستغلالِ والتهميشِ حتى إنْ كانت عاملةً بأجرٍ.
3: أنَّ ذاتيةَ المرأةِ غائبةٌ في جلِ الرواياتِ لأنها لا تركزُ أو تهتمُ بالمرأةِ اليمنيةِ واحتياجاتِها وقضاياها الأساسيةِ ومشاعرِها الداخليةِ ودورِها الفاعلِ والإيجابي في البيتِ والأسرةِ والمجتمعِ وفي المؤسساتِ المختلفةِ.
4: أنَّ صورةَ المرأةِ خلالَ المرحلةِ الثانيةِ تعددت وتوسعت لتشمل أنماطاً جديدةً من الإناثِ مثلَ طالباتِ المدارسِ والمشاركاتِ في النضالِ ضد الإمامةِ أو الاستعمار. وكذا المرأةُ الفاعلةُ والمتعلمةُ والعاملةُ بأجرِ تلك المرأةِ التي تمكنت من الحصولِ على بعضٍ من الاستقلاليةِ الاقتصاديةِ وأصبحت مشاركةً في إعالةِ أسرتها وقادرةً إلى حد ما على قبولِ أو رفضِ ما يعرضُ عليها، كما أنَّها تمكنت أحياناً من إبداءِ رأيِها في بعضِ القضايا، ولو أنَّها في نهايةِ المطافِ خاضعةٌ لإرادةِ الرجلِ وقراراتِه بشكلٍ أو بآخر.
5: أنَّ صورةَ المرأةِ اليمنيةِ ومكانتَها وواقعَها في الروايةِ اليمنيةِ تعتمدُ غالباً على خلفياتِ الكاتبِ المعرفيةِ ونوعيةِ ثقافتِه والبيئةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ والثقافيةِ والاقتصاديةِ التي نشأ فيها وتأثره بها والمستوى التعليمي ومدى انفتاحِه على الآخرِ محليا وعربيا وعالميا وتأثره بالأفكارِ والمبادئ السياسيةِ والحزبيةِ وانتشارِ التعليم وانخراطِ المرأةِ في بعضِ الأعمالِ، كل ذلك أثر في الروائي وطرقِ رسمِه لصورةِ المرأة.
6: جلُّ الشخصياتِ النسائيةِ اللاتي وردنّ في الروايةِ اليمنيةِ تعرضنَّ للحرمانِ والظلمِ والتهميشِ والاستغلالِ والإكراهِ، من قبل الرجلِ ابتداءً من البيتِ ثم الشارعِ وأماكنِ العملِ وأخيراً السلطُ بمختلفِ تمظهراتِها الاجتماعيةِ والعشائريةِ والحزبيةِ والرسمية. ومن الملاحظِ أنَّ ردودَ أفعالهنَّ في الغالبِ لم تكنْ سلبيةً تجاهَ الرجلِ المتسلطِ عليهنَّ. فجلُّ تلك الشخصياتِ لم يتمردنَّ أو يكرهنَّ الرجالَ ولم يحددنَّ موقفاً منهم ولم يعملنَّ على الإضرارِ بهم، بل لم يفقدنَّ الثقةَ فيهم. وظل الرجلُ محلَّ ثقتهنَّ يلجأنَّ إليه، ويطلبنَّ مساعدتَه عند الحاجة.
7: منذ تسعينياتُ القرنِ المنصرمِ حصل تغيّرٌ وتطورٌ للصورةِ النمطيةِ للمرأةِ لدى الروائيين الذين ارتبطوا بالعملِ السياسي والنضالي والاجتماعي في البلاد، فقدموا صوراً إيجابيةً للمرأةِ كمشاركةٍ للرجلِ ولاعبةِ أدوارٍ إيجابيةٍ في كثيرٍ من مناحي الحياةِ الخاصةِ والعامة، حيث ظهرت متعلمةً وعاملةً ومناضلةً. ومؤخرا دعا الروائيون إلى ضرورةِ تحريرِ المرأةِ وتغييرِ واقعِها البائسِ، محذرين في نفسِ الوقتِ من تأثيرِها السلبي على مستقبلِ الناشئةِ والبلدِ بشكلٍ عامٍ إذا استمر حالُها المتخلفُ كما هو عليه.