"من لا يعرف اليمن فليتأمل وجوه هاشم علي، إنه أحد معالم اليمن الفنية والإبداعية، رسومات هاشم علي انبلاج فجر في دجى ليل عارم، ألوان سماء هاشم علي غير سماء أي فنان تشكيلي في العالم" يقول وزير الثقافة اليمنية الأسبق، خالد الرويشان، عن الرجل.
(حاملات العشب، وبائعات البيض واللبن، أشعة الشمس، الحدادون والفلاحون، والشوارع، قلعة القاهرة، وجبل صبر في المدينة)، جميع هذه اللوحات التي تركها الفنان قبل رحيله معروضة الآن تحديداً هناك، على أحد أرصفة شوارع مدينة تعز اليمنية المحاصرة.
لقد فقد أولاده الثلاثة خيارات العيش وتوفير رغيف الخبز، وأجبرت أسرته على عرض التحف والكتب والآثار التي كان يمتلكها الفنان للبيع.
"شاهدت مقتنيات وأثاراً وتحفاً ذات قيمة ثمينة تباع أمامي بمبلغ زهيدٍ من قيمتها الحقيقية" تؤكد لنا الشابة العشرينية إيمان مرعي، والتي قالت، إنها حظيت بشراء واحدة من القطع الفنية للفنان التشكيلي بملغ 500 ريال يمني، (أقل من دولارين أميركيين).
أما زوجة الفنان والتي تبيع الأدوات في أحد شوارع مدينة تعز فتقول لـ"العربي الجديد"، إنها اضطرت إلى هذا الأمر لتوفير خبز الحياة لأطفالها، وبحسب الأسرة، فإنها لم تحظ بأي اهتمام حكومي يذكر، منذ وفاة الفنان في عام 2009.
"كل شيء جميل يموت وينتهي في هذه اللحظة ونحن لا نفعل شيئاً" يتحدث بحسرة الأستاذ الرويشان ويتابع: "جيل كبير من المبدعين يعانون على فراش المرض، هناك جيل بأكمله بحاجه إلى لفتات إنسانية وليس إلى فتات، المطلوب عناية كاملة بكل المبدعين الذين أنجبتهم هذه البلاد، وأسرة هاشم واحدة منهم".
ربما لا يكفي اليمن خسارة رائد الفن التشكيلي الأول، هاشم، وانطفاء ريشته، بل هكذا تنتهي الأمور ببيع لوحاته الفنية الناطقة، وطمس مدرسته التشكيلية التي جسد من خلالها كل الحياة اليمنية، بكل تفاصيلها. تلك اللوحات التي لا تدخل الألوان من قسماتها فحسب، لكن الروح أيضاً تنفتح بها، والأحلام تندفع في رذاذاتها، فتبزغ عيون الآلهة.
يخرج هاشم علي في هذه اللحظة من تاريخ اليمن، تلك البلاد التي لا تبدو في أحسن أحوالها، يتمنى الجميع أن يقام متحف خاص بهاشم علي ويضم كل أعماله، وقبل ذلك وبعده، الاهتمام بعائلته وأسرته.
"هذه كلها بلادي.. فيها كل شيء إلا أنا"، جملة ذات مغزى قالها يوماً شاعر اليمن عبدالله البردوني، ولكأنه كان يعلم جيداً أنه سيأتي اليوم الذي يشاهد فيه إخوته المبدعين في البلاد جميعهم، وهم يملكون كل شيء فيها، إلا أنفسهم.
ولا يزال الوزير الرويشان والذي ألف كتاباً كاملاً عن الفنان، يتذكر قصيدة رثائه الأخيرة: "أيها اللحن الهارب والقصيدةُ الشاردة أين أنت؟..الطريقُ إلى قريتنا مرّت عبر سنا أصابـعك من فضلك دلني عليها...وحدك من يعرف تجاعيد أشجارها، وشحوب أحجارها أمواه أحلامنا سالت من بين أناملك...كُنتَ ريشة اشتعالاتِنا، خفقة التمرد في أجفاننا، أخاديد انتظارنا، وبروازَ أيامنا".