"لقد أنشئت الأمم المتحدة ليس لتقود البشرية إلى الجنة بل لتحمي الإنسانية من الجحيم"، هكذا عبر داغ همرشولد الأمين العام الثالث للأمم المتحدة بين 1953 و1961،ليجسد الهدف الأساسي الذي قامت من أجله المنظمة الدولية قبل 70 عاما، فيما بات تأثيرها حاليا محل تساؤلات واسعة.
فلم يكن صعبا على همرشولد تخيل "الجحيم" والعالم خارج لتوه من حرب عالمية مدمرة قتلت الملايين، وشهدت جرائم حرب مروعة، لكن خلال سبعة عقود، نجحت فيها المنظمة في معالجة قضايا وأزمات، أخفقت في تجنيب البشرية صنوفا أخرى من الجحيم ربما لم ترد إلى مخيلة همرشولد.
وبحسب تقرير لصحيفة غارديان البريطانية، ربما ينقسم المؤرخون بشأن دور الأمم المتحدة في منع حرب نووية عالمية، لكن هناك شكوكا في دورها الذي كان يمكن أن تضطلع في إنقاذ الملايين من أعماق الفقر، ومن مشاهدة أطفالهم يموتون من أمراض يمكن علاجها، ومن الجوع والتشرد أثناء فرارهم من الحروب الناتجة عن الصراعات الإيديولوجية بين واشنطن وموسكو التي اتخذت من إفريقيا وآسيا ساحات للمعارك.
وخلال سبعة عقود، نظر إلى الأمم المتحدة كأمل عظيم من أجل مستقبل البشرية، لكن بالنسبة للبعض، كانت وكرا مشينا للديكتاتوريات والبيروقراطية، والتغطية المؤسسية للفساد والسياسات غير الديمقراطية لذراعها الأهم وهو مجلس الأمن، بحسب الصحيفة.
أين تذهب الميزانيات؟
ومنذ تأسيسها، أنفقت الأمم المتحدة أكثر من نصف تريليون دولار خلال 70 عاما، لتمويل برامجها ومهامها المختلفة. وبحسب "غارديان"، فإن حساب المصاريف السنوية والتضخم المالي داخل المؤسسة الدولية يظهر أنه أكثر من 40 ضعفا مما كان عليه في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وذلك لتمويل 17 وكالة متخصصة و14 صندوقا وإدارة ودفع رواتب 41 ألف موظف.
وبالنسبة للميزانية العادية التي يتم الموافقة عليها كل عامين، من أجل تمويل التكاليف الإدارية، فقد تضاعفت خلال العقدين الأخيرين إلى 5 مليارات دولار.
لكن ذلك يعد جانبا صغيرا من إجمالي الإنفاق، فعمليات حفظ السلام تكلف المنظمة حوالي 9 مليارات دولار في السنة، مع نشر 120 ألف جندي في مناطق النزاع، معظمها في إفريقيا.
وتتلقى وكالات ومنظمات فرعية مساهمات تطوعية من أفراد وحكومات، مثل اليونيسيف ووكالات الإغاثة وأعمال التطوير.
وقد تضاعف الإنفاق على مدار 25 عاما ليصل إلى 28.8 مليار دولار. ومع ذلك، تحذر بعض وكالات الأمم المتحدة من أنها على شفا الإفلاس.
الإصـــلاح:
تواجه الأمم المتحدة تحدي إصلاح هيكلها سواء على كافة المستويات السياسية والمادية والإدارية، لكن أكثر ملفات الإصلاح صعوبة وإثارة للجدل، ما يتعلق بمجلس الأمن الدولي، وهو الملف الذي يعيق بحسب كثيرين إعادة هيكلة الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين.
فالمجلس الذي أنشئ عام 1945، بأعضائه الدائمين الذين انتصروا على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية، يمسك بزمام الأمور في المنظمة. فمع كل الضجيج الذي يصدر من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بشأن إصلاح المنظمة، فإن هذه الدول غير مستعدة للتخلي عن سلطاتها التي تمارسها في بعض الأحيان بطرق تخضع بالكامل لمصالحها السياسية.
وفي هذا السياق، فقد مارست الولايات المتحدة حق الفيتو لحماية إسرائيل من الانتقادات والقرارات الدولية في العديد من المناسبات، علما بأنها قد استخدمته أكثر من باقي أعضاء مجلس الأمن مجتمعين.
وفي الآونة الأخيرة، استخدمت روسيا والصين حق النقض لمنع تدخل الأمم المتحدة في سوريا.
وعندما يأتي الحديث عن توسيع مجلس الأمن ليشمل مقاعد إضافية في دائرة الدول دائمة العضوية وغير الدائمة، فإن أي نص في هذا الشأن لا يجد له مجالا على الطاولة، بحسب السفير الهندي لدى الأمم المتحدة أسوكي كمار مكرجي.
لكن رغم الكثير من المشكلات التي تعتري المنظمة الدولية، يقول السياسي النيوزيلندي ديفيد شيرر الذي خدم المنظمة في رواندا وبلغراد وأفغانستان والعراق والقدس: " إذا لم يكن لدينا الأمم المتحدة، فكان سيتوجب علينا اختراعها".