سقوط صنعاء حدثٌ هو الأسوأ في بلد كاد يشارف على الانتهاء من عملية انتقال سياسية ناجحة نسبياً، لطالما شكلت نموذجاً للتغيير في منطقة مضطربة.
كان هذا الحادث شاهداً على الارتخاء غير المبرر لقبضة الدولة، في وقت كانت تمتلك فيه كل عوامل القوة لحماية إنجاز التغيير، وكان هذا الحدث بالقدر نفسه شاهداً على تورط غير متوقع من منظمة ترمز إلى السلام مثل الأمم المتحدة والقوى الدولية المتحكمة بقرار هذه المنظمة، في التغطية على إسقاط عاصمة عربية في براثن الفوضى والضياع.
السلام في اليمن كان بأيدي اليمنيين أو هكذا بَدَتْ الأمور في لحظة تَسَلُّمْ الرئيسِ لمسودة الدستور من لجنة كتابة الدستور.
تلك المسودة التي شكلت خلاصة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، واعتبرت إحدى المرجعيات الثلاث للعملية السلمية في اليمن، قبل أن تتحرك القوى الانقلابية لمنع استكمال إجراءات اعتماد هذه المسودة لتصبح دستوراً نافذاً.
قبل أن إنجاز المسودة، كان العالم قد ساهم في التفريط بالإنجاز السلمي لليمنيين، بعدم إدانة وفضح التحركات العسكرية لحلف الانقلاب المؤلف من قوات المخلوع صالح وميلشيا الحوثي صوب صنعاء.
لا بل أنه تبرع عبر البيانات والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بتوصيف ما يجري بأنه مواجهاتٌ بين أطرافٍ مسلحةٍ متصارعة، في وقت كانت الميلشيا الانقلابية تواجه معسكراتٍ تابعة للدولة، ولم تكن الميلشيا تفتقد إلى الإمكانيات، بل كانت تحصل عليها كما تحصل على تأييدٍ من أكثر من طرف لإنجاز مهمتها الموجهة ضد السلام في اليمن.
اتفاق السلم والشراكة أحد الشواهد السيئة على إمكانية توظيف حيادية الأمم المتحدة وأهداف السلام التي تسعى إلى تحقيقها، في إنجاز أهداف أخرى لا علاقة لها بالسلام. فهذا الاتفاق وُقِّعَ في مساء الواحد والعشرين من سبتمبر الأسود من عام ألفين وأربعة عشر، بعد أن أنهت ميلشيا الحوثي سيطرتها على مدينة صنعاء، بدعم وإسناد وتواطؤ من الحاميات العسكرية للعاصمة، وعلى نحو يثير الدهشة والاستغراب والاستهجان.
بادر المجتمع الدولي والإقليمي إلى الترحيب بهذا الاتفاق الذي منح الميلشيا مكافأة مجزية هي الهيمنة على الدولة، وأنهى عملياً مفاعيل السلطة الانتقالية التي باتت بكل رموزها تحت التهديد المباشر لسلاح الميلشيا.
لم تكف الأمم المتحدة والرعاة الدوليون عن التبشير بمعجزة تحقيق السلام في اليمن، ولكن تدخلها لتحقيق هذه الغاية دائماً ما كان يأتي كلما لاحتْ الفرصةُ لاستعادة السلام، بالانتصار على الميلشيا، في مسعىً وصفه المراقبون بأنه مفضوح لإبقاء هذه الميلشيا جزءً مؤثراً في بنيان الدولة اليمنية وتكريس منطق المحاصصة السياسية.
من جنيف إلى الكويت، فشلت كل جولات المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة، وسقطت كل المشاريع التي صممتها هذه المنظمة لإنهاء الحرب في اليمن، وجزء مهم من أسباب ذلك الفشل يعود إلى عدم ووضوح أهداف الأمم المتحدة والقوى الدولية، بل وتصادم هذه الأهداف.
وحدهم المقاتلون في الميدان من الجيش الوطني والمقاومة هم الذين سيرسخون بزنادهم ودمائهم وتضحياتهم الأسس الراسخة لسلام مستدام في اليمن ولوطن يستحق أن يعيش فيه كل اليمنيين على قدم المساواة ويمحون من تاريخه كل النقاط السوداء بما فيها الأكثر سواداً واحد وعشرين سبتمبر ألفين وأربعة عشر.