تمر اليوم ذكرى رحيل أحد عمالقة الشعر والأدب اليمني، عبدالله البردوني، الشاعر الثوري العنيف في ثورته والجريء في مواجهته، حسب وصف بعض النقاد لتجربته، وهو يمثل الخصائص التي امتاز بها شعر اليمن المعاصر.
تحت عنوان "شاعر من أرض بلقيس"، كتب محمد سلطان اليوسفي يقول "كثيرون هم من تحدثوا عن الشاعر عبد الله البردوني، وكثيرون هم من كتبوا عنه، ولكن تبقى الكلمات والكتب والمؤلفات قليلة في حق شاعر بحجم الشاعر عبد الله البردوني فالحديث عنه حديث ذو شجون. البردوني شاعر لا تذكرنا به ذكرى وفاته ولا ذكرى مولده، ولكن أعماله الشعرية الخالدة ودراسته النقدية الثاقبة هي من تذكرنا به، وكيف يُنسى من رفد المشهد الأدبي اليمني والعربي بأعماله الشعرية التي بلغت من الشهرة مبلغاً كبيرا؟! كيف لا وهو الشاعر الذي أتى من أرض بلقيس وسافر في طريق الفجر حتى وصل إلى مدينة الغد!
إنه الشاعر الأديب والناقد اللبيب والمؤرخ الفذ، فيلسوف يعرفه الفلاسفة، وشاعر تزخر المكتبات العربية بدواوينه الشعرية.
وختم اليوسفي مقالته بالقول ان البردوني لم يكن مجرد شاعر ينثر أحاسيسه وهواجسه، بل كان يقول ما لا يقوله المبصرون ويصور ما يصعب على المصورين البارعين تصويره .
وتحت عنوان "نبوءات البردوني السياسية"، كتب صالح البيضاني يقول انه "على الرغم من مغادرته الحياة قبل ما يناهز العقدين، إلا أن الشاعر اليمني الراحل عبدالله البردوني لا يزال الأكثر حضورا في المشهدين السياسي والثقافي اليمنيين حتى اليوم، حيث تحول شعره إلى أيقونة للثورة والحرب والسلام واستشراف المستقبل، كما زينت الأطراف المتصارعة خطاباتها الإعلامية بقلائده الشعرية التي وصف في الكثير منها ” زمان بلا نوعية” يكاد يشبه واقع اليمن الراهن.
ويضيف البيضاني "واكب الرائي كما يسميه اليمنيون الحاضر وحمل الكثير من عشاق شعره نحو آفاق المستقبل فيما يمكن أن يوصف بأنه السفر نحو الأيام الخضر، تلك النافذة من الأمل التي تركها البردوني مشرعة في قصائده التي تنضح بالتفاؤل بين غابات اليأس، المبشرة بقادم جميل يصنعه “مهدي” يمني خالص ومخلص ظل هاجسا يلازم كل من توغلوا في أعمال البردوني وتوقفوا بين السطور عند نبوءاته الشعرية، التي تحولت إلى مادة ثرية لنقاش لم ينقطع يوماً، منذ رحيله الجسدي في الثلاثين من أغسطس 1999، مخلفا الكثير من السماوات وروحاً ملهمة ظلت ترفرف في كل سهل وواد وجبل".
قبل الثورة الشبابية التي اندلعت في 2011 بعام كتب الصحافي والكاتب عزت مصطفى عن نبوءة توشك أن تتحقق للبردوني بزوال حكم علي عبدالله صالح الذي كان حينها في أوج قوته، كتب مصطفى في فبراير العام 2010 ما يلي: في مارس 1977 كتب الشاعر العظيم عبدالله البردّوني قصيدته “الحبل.. العقيم” وقال فيها:
لا تخافي يا أمُّ.. للشوق أيدٍ
تنتقي أخطر اللغى، كي تبينا
ولكي تنجبي البنينَ عظاماً
حان أن تأكلي أبرَّ البنينا.
وتحكي السيرة الذاتية للشاعر الكبير، عبدالله البردوني، حياة مثيرة وحافلة فهو "عبد الله صالح حسن الشحف البردوني (1929 - 30 أغسطس 1999) تناولت مؤلفاته تاريخ الشعر القديم والحديث في اليمن ومواضيع سياسية متعلقة باليمن وغلب على قصائده الرومانسية القومية والميل إلى السخرية والرثاء وكان أسلوب ونمطية شعره تميل إلى الحداثة.
ولد البردوني عام 1929 في قرية البردون في محافظة ذمار وأصيب بالجدري الذي أدى إلى فقدانه بصره وهو في الخامسة من عمره.
تلقى تعليمه الأولي فيها قبل أن ينتقل مع أسرته إلى مدينة ذمار ويلتحق بالمدرسة الشمسية الزيدية المذهب. بدأ اهتمامه بالشعر والأدب وهو في الثالثة العشرة ودأب على حفظ مايقع بين يديه من قصائد وانتقل إلى صنعاء في أواسط العشرينات من عمره ونال جائزة التفوق اللغوي من دار العلوم الشرعية. أدخل السجن في عهد الإمام أحمد بن يحيى لمساندته ثورة الدستور عام 1948.
أصدر 12 ديوانا شعريا من 1961 - 1994
وهي "من أرض بلقيس" و"مدينة الغد" و"لعيني أم بلقيس" و"السفر إلى الأيام الخضر" و"وجوه دخانية في مرايا الليل" و"زمان بلا نوعية" و"ترجمة رملية لأعراس الغبار" و"كائنات الشوق الآخر" و"رواغ المصابيح" و"جواب العصور" و"رجعة الحكيم بن زائد" و"في طريق الفجر".
أما مؤلفاته الفكرية فهي "رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه" و"قضايا يمنية" و"فنون الأدب الشعبي في اليمن" و" اليمن الجمهوري" و"الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنية" و"الثقافة والثورة".
من قصائده تحت عنوان "الغزو من الداخل"، تقول في مطلعها:
فظيع جهـل مـا يجـري وأفظـع منـه أن تـدري وهل تدريـن يـا صنعـاء مـن المستعمـر السـري
غــزاة لا أشـاهـدهـم وسيف الغزو في صـدري فقـد يأتـون تبغـا فــي سجائـر لونهـا يـغـري
وفـي صدقـات وحـشـي يؤنسن وجهـه الصخـري وفي أهـداب أنثـى فـي مناديـل الهـوى القهـري
وفـي ســروال أسـتـاذ وتحـت عمامـة المقـري وفي أقراص منـع الحمـل وفـي أنبـوبـة الحـبـر
وفـي حـريـة الغثـيـان وفـي عبثـيـة العـمـر وفي عَود احتـلال الأمـس فـي تشكيـلـه العـصـر
وفـي قنينـة الوسـكـي وفـي قـارورة العـطـر ويستخفـون فـي جلـدي وينسلـون مـن شعـري
وفـوق وجوههـم وجهـي ونحـت خيولهـم ظهـري غـزاة اليـوم كالطاعـون يخفـى وهـو يستشـري
يحجـر مـولـد الآتــي يوشي الحاضـر المـزري فظيع جهـل مـا يجـري وأفظـع منـه أن تـدري
يمانيـون فـي المنـفـى ومنفيـون فـي اليمن جنوبيون في صنعـاء شماليـون فـي عـدن
حاز على العديد من الجوائز الشعرية والأدبية أبرزها:
- جائزة أبي تمام بالموصل عام 1971 - 1391هـ
- جائزة شوقي بالقاهرة عام 1981 - 1401هـ
- جائزة الأمم المتحدة "اليونسكو" ، وقد أصدرت عملة فضية عليها صورته في عام 1982م - 1402هـ كمعاق تجاوز العجز
- جائزة مهرجان "جرش" الرابع بالأردن عام 1984م - 1404هـ
- جائزة سلطان العويس بالإمارات 1993م - 1414هـ
- تمت ترجمة العديد من مؤلفاته للغتين الإنجليزية والفرنسية
ـ له مخطوطات لم تطبع، منها :
رحلة ابن من شاب قرناها "ديوان شعر"، العشق على مرافئ القمر "ديوان شعر"
، العم ميمون" رواية"، الجمهورية اليمنية "كتاب"، الجديد )
- توفي في 30 أغسطس 1999 في العاصمة صنعاء
ـ يصادف اليوم الذكرى الـ 17 لرحيله
* ألبوم الصور للمصور الفوتوغرافي عبد الرحمن الغابري