ذل وانكسار
عجز التربوي عبدالعليم عن إقناع المؤجر فتح باب شقته ، ووجد نفسه مشردا يلف الشوارع مع زوجته في عتمة الليل وجبال من الحزن والانكسار تجثم على صدره ، ولم يدري إلى أين يذهب أو كيف يتصرف حتى اهتدى إلى صديق يستدين منه إيجار غرفة فندق تؤويهما حتى الصباح.
ذهب باكرا إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى لكن لا احد يحس بمصيبته ومع الإلحاح المستمر جاء صاحب المنزل ليعقدوا معه صلح على إعطائه مهلة شهرا واحدا للبحث عن مسكن ويلزموه بكتابة سندات بالإيجارات المتأخرة .
انقضى الشهر ولم يحصل عبدالعليم على شقة فالعثور على مسكن لم يعد بالأمر السهل في صنعاء ، ووجد نفسه في مواجهة التشرد مرة أخرى وتهديد مركز الشرطة بإخراجه بالقوة إذا اقتضى الأمر ، ولولا أن احد أصدقائه منحه مبنى صغير على وشك السقوط في حوش يمتلكه مكون من غرفة صغيرة بحمام ومطبخ لتشرد وأسرته على أرصفة الشوارع .. كما يؤكد لـ " بلقيس "
ما يزال عبدالعليم يتذكر تلك الأيام ويحس بالمرارة والحزن تعتصر قلبه على كرامة أُهدرت وعلى عبارات الطرد والشتم التي لم يراعي صاحبها إنسانيته أو شعوره .
مواجهة القانون
صنوف من القهر والذل يتجرعها المستأجرون من مالكي البيوت بسبب تراكم الإيجار في ظل عدم وجود حماية قانونية تحول بينهم وبين التشرد ، يقول المحامي فاروق محمد لـ " بلقيس " إن اغلب قضايا المحاكم والنيابات خلال هذه السنوات بين أصحاب البيوت والمستأجرين الذين تراكمت عليهم المبالغ المالية ويهددون بالطرد.
ويضيف إن القانون يقف إلى جانب المالك ويعطيه الحق في طرد المستأجر إن عجز عن السداد.
ويؤكد القانون اليمني رقم 22 للعام 2006 بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في المادة (91) انه يجوز للمؤجر أن يطلب من المستأجر إخلاء العين المؤجرة قبل انتهاء فترة العقد إذا لم يف المستأجر بالأجرة المستحقة عليه لمدة ثلاثة شهور متتالية خلال (30) يوماً من تكليفه بالوفاء ، أو إذا تكرر امتناعه أو تأخره عن الوفاء بالأجرة المستحقة أكثر من مرة في السنة الواحدة.
لكن فاروق محمد يرى أن القانون بحاجة إلى تعديل يضمن حماية المستأجر من التشرد ويحفظ كرامته وعرضه وان على النيابات والمحاكم التعامل مع القضايا بمرونة خاصة في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد .
لم يثق عبدالقدوس الذماري بالقانون ولهذا لم يتجه إلى المحاكم لإنصافه من مالك المنزل الذي نكد عليه حياته وتوعده مراراً بالطرد واتجه إلى مكتب الحوثيين الخاص بفض نزاعات الإيجارات بالحصبة وقدم شكواه وكله أمل بتأديب غريمه ، لكن أُصيب بالخيبة مع صدور حكم المشرف الحوثي الذي أطلقه بأول جلسة بان عليه ترك الشقة خلال ثلاثة أشهر وتوقيع سندات مزمنة بالإيجارات المتأخرة.
يقول عبدالقدوس لـ "بلقيس" حاولت إقناع المشرف الحوثي بالظروف الصعبة وتوقف جماعته الحاكمة عن دفع المرتبات لكنه رد قاطعا بان لا علاقة للمرتبات بتسليم الإيجار.
حالة رعب
ويعد انقطاع المرتبات السبب الرئيسي للمآسي التي يمر بها الموظفين ويتكبدها جهاد الفتيح بعد أن بلغت ديونه لمالك المنزل أكثر من 500 ألف ريال وتلقى أمراً من قسم الشرطة بالتسديد أو إخلاء الشقة ، مما جعله يعيش حالة من الرعب وينتفض قلبه مع أي طرقات على بابه خوفاً أن يكون المالك قد عاد للمطالبة بالدين أو الخروج كما يقول لـ " بلقيس ".
ومع الارتفاع المخيف لأسعار الشقق يواجه المطرودون من منازلهم مشكلة كبيرة بالحصول على شقة أخرى ، ويشير تقرير “مؤشرات الاقتصاد في اليمن لعام 2018” الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي إلى ارتفاع كبير في أسعار وإيجار العقارات التي وصلت إلى 100 % بصنعاء وإب ، و50% في تعز وعدن فيما تجاوزت أسعار العقار 213% بحضرموت و650 % بمأرب .
وعلاوة على ندرة توفر شقق الإيجار والارتفاع الكبير بأسعارها يرفض ملاك المنازل تسكين الموظفين وظهرت مؤخراً شريحة من مالكي البيوت تشترط دفع إيجار مقدم لا يقل عن خمسة أشهر مما يفاقم مشكلة الحصول على مسكن ويجعلها أكثر تعقيداً.