غيّرت الحرب المستمرّة الكثير من ملامح اليمن. وكان لافتاً انتشار المقابر، وقد تحوّلت بعض المزارع والمتنزهات إلى مقابر يدفن فيها ضحايا المعارك. وفي محافظة تعز تحولت مزرعة عصيفرة، شمال المدينة، من متنفس للأهالي إلى مقبرة لضحايا الحرب من أبناء المدينة. يقول برهان عبد الوهاب، أحد سكان المدينة، إن المزرعة التي كانت تعدّ متنفسّاً للناس، باتت مقبرة تكتظ بالموتى وقتلى المواجهات المسلحة والقصف العشوائي.
ويؤكد أن الأهالي اتخذوا المزرعة التابعة لمكتب الزراعة والري في المحافظة متنفساً لهم، بعد حصار مليشيا الحوثي لمدينة تعز، وعدم قدرة السكان على الوصول إلى الحديقة العامة الواقعة في منطقة الحوبان الخاضعة لسيطرتهم. ويشير إلى أن مقبرة الشهداء تتوسع وتلتهم المزيد من الأراضي الزراعية.
من جهتها، توضح المواطنة أسمهان أنّها كانت وأفراد أسرتها يقضون بعضاً من إجازاتهم في هذه المزرعة، التي تحولت اليوم إلى مقبرة. وتضيف "كان الناس يزورون هذا المكان للمرح، وقد تحوّل إلى مكان للبكاء والحزن".
بدوره، يقول الموظف في مكتب الأراضي في تعز، محمود سلطان، إنه لا تتوفر في المدينة مقابر للموتى، بما يتناسب مع الكثافة السكانية الكبيرة في المدينة. عدد المقابر لا يتجاوز الست، وكلّها ممتلئة. ويؤكد أن مقبرة عصيفرة التي أنشئت قبل الحرب وسُمّيت بمقبرة الشهداء، امتلأت بموتى غالبيتهم من المدنيين، وقد قتلوا إما بسبب القنص أو القصف العشوائي للأسواق وشوارع المدينة، لافتاً إلى أن المقبرة بدأت تلتهم الأراضي الزراعية المجاورة لها منذ اندلاع الحرب، ما زاد من أعداد القتلى.
وفي محافظة صعدة تحوّلت المزارع الخضراء التي كانت تحتضن أصنافاً مختلفة من الفاكهة في عدد من مديريات المحافظة إلى مقابر تغطيها الأعشاب. ويقول مصدر محلي في مكتب الزراعة في المحافظة إن مزارع "خولان ورازح وسحار الجميلة في المحافظة حولها الحوثيون إلى مقابر لدفن القتلى من جراء الحرب التي تشهدها البلاد منذ عام 2004".
ويؤكد أنّ محافظة صعدة كانت تسمى سلة اليمن لاحتوائها على أراض زراعية خصبة تزرع فيها كل أنواع الفاكهة والخضار. لكن نتاجها الزراعي بات ضعيفاً لأسباب كثيرة، منها تحويل أراض إلى مقابر ومعسكرات للتدريب، أو بسبب نزوح المزارعين نتيجة القصف الجوي.
المقابر الجديدة تُضاف إلى توسّعات تشهدها المدافن القديمة التي شيّدت خلال فترة حروب الحوثيين الست ضد القوات الحكومية، أبرزها مقابر رحبان وحيدر وضحيان وبني معاذ وسحار ورياض الشهداء ومران والأنصار.
وتطلق مليشيا الحوثي على المقابر التي تُنشأ اسم "روضة الشهداء"، فيما يُطلق الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على المقابر اسم "مقبرة الشهداء". وفي منطقة عصر في صنعاء، أقام الحوثيون في إحدى المناطق المرتفعة، التي يتخذها المواطنون للراحة والتنزه، مقبرة لدفن قتلاهم.
في هذا السياق، يؤكد محمد العصري، أحد سكان المنطقة، أن الأهالي خسروا هذه المنطقة الزراعية التي كان الزوار يأتون إليها من كل مكان في نهاية كل أسبوع. يضيف: "في بعض الأحيان، كان يأتي الرجال لمضغ القات. لكنها اليوم، تحوّلت إلى المثوى الأخير لضحايا الحرب". ويلفت إلى أن أعداد القتلى إلى تزايد، وقد امتلأت المقبرة خلال فترة وجيزة.
الداخل إلى المدن الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي مثل المحويت وعمران وإب وذمار وصنعاء، يرى مقابر جديدة أنشئت على أراض زراعية ذات طابع خاص لدفن ضحايا الحرب الذين تزداد أعدادهم خلال الآونة الأخيرة في الجبهات التي تشهد معارك عنيفة.
وكانت مليشيا الحوثي قد أنشأت في صنعاء وحدها 16 مقبرة خلال السنوات الماضية، أربع في منطقة الجراف، اثنتان في حزيز، اثنتان في السنينة، اثنتان في الستين الشمالي، اثنتان في التحرير، وأربع في السبعين وشعوب وحي المطار وحدة.
وبحسب تقارير محلية وأممية، فقد أودت الحرب في اليمن بحياة عشرات الآلاف، وأدت إلى إصابة ما يزيد عن 40 ألف آخرين، في ظل تكتم أطراف الصراع وعدم الكشف عن الأرقام الحقيقية لضحايا الحرب الذين سقطوا في المعارك.
المصدر - العربي الجديد