انقلاب غامض وعلني في آن، فبينما كانت فصوله تتوالى والمحافظات تسقط بيد المليشيا القادمة من شمال الشمال كانت السلطة الشرعية تتفرج ومثلها النخبة السياسية، بل إن تعامل السلطة التوافقية آنذاك غطى على تحركات الانقلابيين وسهل المهمة أمامهم.
فمن لا يتذكر كيف أن دور وزارة الدفاع اليمنية وهي أرفع هيئة عسكرية في البلد تحولت ووزيرها الى وسيط ومقايض ومبرر أيضا، قيل إن الحرب تستهدف جهة سياسية بعينها فسقطت العاصمة صنعاء، كان القول يشبه الى حد كبير ما قالته الرئاسة اليمنية في وقت سابق بأن عمران المحافظة المجاورة للعاصمة عادت إلى حضن الدولة، بينما الحقيقة أنها قد أصبحت فعليا بيد عصابة الانقلاب.
استولى الانقلابيون على صنعاء، أسقطت الدولة ومثلها الحكومة التي أجبرت على الاستقالة وكذلك الرئيس الذي فقد حضن الدولة على حين غرة أو بحسابات خاطئة.
أصبح الرئيس معتقلا في منزله وبلا ملاذ، أما النخبة السياسية فقد كان صمتها بمثابة حكم بالإعدام عليها وعلى العملية السياسية وغدت بلا جدوى وبلا اعتبار وبلا خيارات تنتظر فقط ما ستقرره بحقها سلطة الانقلاب الجديدة.
ثبت الانقلابيون وجودهم في صنعاء، أما هادي الرئيس الذي أخطأ الحسبة فقد ساعده القدر على الفرار الى عدن التي أصبحت الهدف القادم للانقلاب ومنها الى عمان فالمملكة التي قادت تحالفا عسكريا لمحاربة المليشيا التي يقال إنها أعطتها الضوء الأخضر في التوسع على أن يكون الإصلاح هو الهدف لكن الانقلابيين استهدفوا الدولة برمتها.
انطلقت عاصفة الحزم وتحولت فنادق الرياض الى أماكن إقامة للنخبة التي فرطت بالدولة والسلطة، أما عدن فبقيت عاصمة مؤقتة مسمى فقط حتى بعد تحريرها.
ومن هنا بدأ انقلاب جديد على السلطة الشرعية، لكن هذه المرة في عدن اختلف المكان وتغير الزمان بينما لم تتغير كثير من المعطيات، فالداعمون هم ذاتهم أما الأهداف هذه المرة هي أكبر وأشمل، ولم تعد محصورة بفصيل سياسي معين، بل أصبحت اليمن جغرافيا وموارد هي الهدف والمنفذون دوما أطراف محلية مرتهنة للخارج.
نجت الشرعية من الانقلاب الأول، ويبدو أنها تجاوزت الثاني، لكن ذلك لا يعني أنها عبرت من شراك الإقليم وأطماعه، بل لا تزال في قلب المعركة، وهي معركة تبدو الشرعية فيها الخاسر الأكبر بالنظر الى أسلوبها المترهل في إدارة ذاتها، ففيما يخسر اليمن ويقتل ويدمر تكسب الشرعية بوجوهها المحنطة عمراً إضافياً قد يجعلها تدفع الثمن الأكبر، إذا لم تراجع مواقفها وأساليب إدارتها.
هكذا تقول الشواهد وما متاح اليوم قد لا يكون غدا، فحسابات السياسية تخالف المنطق في أحايين كثيرة.