في حيز صغير من ثرى صنعاء، يرقد التبع اليماني الكبير، وفي القبر الذي ووري فيه جثمانه انتهت واحدةٌ من أعظم الحكايات.
بطل هذه الحكاية الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، الذي ترك الحياة مغدوراً في واحدةٍ من أسوأ عمليات القتل السياسي في التاريخ.
ففي مثل هذا اليوم الـ 11 من أكتوبر 1977، انطفأ النورُ الذي أضاء سماء اليمن بعد عهد طويلٍ من الظلمة الإمامية، وعهدٍ من عدم الاستقرار في ظل الجمهورية، رحلَ الرئيسُ الحمدي الذي أشاعَ الأملَ في النفوس ورسَّخَ فيها حبَّ الدولة والجمهورية، وأرسى مدماك المواطنة، وأطلق المبادرات الجمعية والتعاونية لنهضةٍ لم تشهد اليمن مثلَهَا من قبل.
بعد ثلاثة أعوامٍ فقط من حكم اليمن على رأس مجلس قيادة عسكري، خلَّف الرئيسُ الشهيد تركةً مشرِّفةً من الإنجازات، والعلاقات الدولية الجيدة، بها وعلى أساسها تشكلت ملامحُ اليمنِ المعاصر.
انبثقتْ إرادةُ هذا القائد من إحساسٍ عميقٍ بحاجة اليمنيين إلى دولة وطنيةٍ قويةٍ وعادلةٍ ومزدهرة، وعقد النيةَ لتحويلها إلى دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطية، مثلما خطط إلى إعادة توحيد الوطن، والتقت إرادته بإرادة لا تقلُ حماساً عبَّرَ عنها، رئيسُ الشَّطرِ الثاني لليمن، الشهيدُ سالم ربيع علي، وعلى مشارف الوحدة لقي الزعيمان خالقَهما شهيدين.
كان الرئيسُ الحمدي طموحاً إلى حد لا يسعهُ ضيقُ المرحلة وخصُوماتِها وتجاذباتها وارتهانُ نخبتها السياسية الكبير لإرادة الخارج ثنائي القطب، وكانت إرادتهُ وحزمهُ وعزمهُ أثقلَ من أن تتحملها أنانيةُ من اعتادوا استثمارَ المناصبَ للجاه وإحراز المكاسب وتحويل الخدمة العامة إلى عبء لا تطيقه إمكانياتُ الناس.
كان يصنع المعجزات وسط هذا الكم من التحديات والتربصات ويفتح في الجدار الصلب، فتحةً أشاع منها الضوءَ واتسعت نظرةُ الوطن من خلالها إلى محيطه واكتشف كم هو بحاجة إلى أن يمضي قدماً على درب الحمدي قبل أن يُفجع برحيله المبكر جداً.
39 عاماً مضتْ ولا يزال إبراهيم محمد الحمدي رئيساً متوجاً يسكنُ قلوبَ الملايين من الذين عاصروه، والذين ورثوا الحكاياتِ الجميلةَ عن عهده المترع بالخيرات والبشائر والآمال.
لطالما ابتهجت تعز بهذا القائد وابتهج بها، وهي اليوم تفتقده أكثرَ من أي مدينة أخرى، وترنوا كما هو كل اليمن إلى عهده، ومعاً: تعز واليمن يواصلان البحث في هذا الفضاء المشبع بالدخان وبالبارود عن نقطة ضوء تقودهما إلى الخلاص.