تمر الصحافة وحرية التعبير بأسوأ حالاتها في اليمن منذ إعلان التعددية السياسية أواخر القرن الماضي.
فإذا كنت صحفيا وتعمل في اليمن فأنت إما في المعتقل أو مقتولاً أو ملاحقاً أو تتضور جوعاً لا تستطيع العمل في ظل الترهيب والتهديد فحياتك في خطر طوال بقاءك في هذا البلد الذي تتصارع على حكمه المليشيات المسلحة.
ومع مرور اليوم العالمي لمواجهة قتلة الصحفيين من العقاب، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ68 في عام 2013، وأحيت عدد من دول العالم هذه المناسبة، ومنها اليمن التي تشهد أسوأ مرحلة في تاريخ الصحافة في البلاد، جراء الانقلاب الذي شهدته اليمن في سبتمبر/ أيلول 2014، وعاش معه الصحفيون أسوأ الانتهاكات تنوعت بين القتل والاعتقال والتهديد والإقصاء والملاحقة وأخرها سياسة التجويع لمن بقى في الداخل اليمني ويتبنى مواقف معارضة للمليشيات الحوثية ومع هذا يظل مستقبل مواجهة" قتلة الصحفيين من العقاب" أكثر قتامة.
وتشير آخر الإحصائيات إلى مقتل 18 صحفي ومصور في اليمن خلال عامين، تم استهدافهم من قِبل مسلحي جماعة الحوثي وصالح، فضلا عن مقتل البعض منهم بغارات جوية نفذها طيران التحالف العربي، أثناء تواجدهم في مناطق تعرضت للقصف وأخرون قتلهم الطيران السعودي عمداً.
وبظل الانتهاكات وسياسة القمع المتنوعة بين القتل والاعتقال والاختطاف والتهديد التي تواجه الصحفيين العاملين في الداخل اليمني يقول مدير عام الأخبار في قناة اليمن الرسمية توفيق عبد المجيد :"العمل الصحفي منذ دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء وبقية المحافظات أصبح مغامرة كبرى إذ انه لا مكان إلا لمن يعمل مع المليشيات ووفق أجندتهم ولعل هذا يتضح أكثر من خلال إغلاق كل القنوات الخاصة وكذا المواقع الإليكترونية والصحف الحزبية والأهلية إضافة إلى التحكم بأجهزة الإعلام الرسمي المختلفة"
ويواصل الصحافي توفيق عبد المجيد ـ أحد الصحافيين اليمنيين الملاحقين من قبل المليشيات الحوثية ـ حديثه لموقع المشاهد قائلاً:" الوضع الجديد في اليمن سيء بكل المقاييس لحرية الصحافة وحرية التعبير وقد سبب لجميع الصحفيين والنشطاء الحقوقيين والسياسيين الخوف والرعب .. انا شخصياً قررت الهجرة وبدأت بالبحث عن فرصة للعمل خارج البلاد ".
ويتابع :" صحيح أن الغربة متعبة ومؤلمة إلا أنها الخيار الوحيد والأفضل من خيار البقاء وتعريض النفس لخطر الاعتقال أو القتل كما حدث للكثير من الزملاء".
يقول الصحافي المستقل وليد عبد الواسع أن الصحافة التي طالما أطلق عليها مهنة المتاعب، لم تعد اليوم كذلك في اليمن، بل صارت تعني الموت المحقق فأن تكون صحافي فذلك يبدو جريمة في نظر سلطات الأمر الواقع الحوثية، التي كثيراً ما اثخنت من انتهاكاتها وجرائمها بحق الصحافة والصحفيين، منذ انقلابها في الواحد والعشرين منذ سبتمبر 2014م.
ويتابع في حديث للمشاهد:" الواقع الصحفي في البلد بات اليوم مرعباً ومخيفاً حد الموت، من لم تناله يد الجماعة بالاختطاف والاعتقال، ليس معانه أنك نجوت فلا وسيلة إعلام تمارس عملها يمكن أن تكون مصدر عيش لصحفيين فقدوا أعمالهم وقطعت رواتبهم وصاروا في عداد المهددين بالموت جوعاً.
ويضيف " صحفيين آخرون هاجروا خارج البلد، نتيجة سياسة الترهيب والتضييق والتجويع التي تمارسها جماعة الحوثيين.. سيقال أن في الحديث مبالغة.. لكنها الحقيقة التي أعيشها كحياة يومية في بلدي اليمن، حيث الصحافة على مقصلة الحوثي".
مستقبل قاتم للصحافة في ظل حكم المليشيات
تبدى المنظمات الدولية قلقها ازاء الوضع القاتم للصحافة في اليمن والمستقبل الذي ستؤول اليه حرية التعبير في هذا البلد المثقل بالصراع ودوامة الانتهاكات التي طالت الجميع وعلى رأسها الصحافة وحرية التعبير.
في هذا الصدد يقول شاكر أحمد خالد صحافي إن مستقبل الصحافة في الصراع الدائر في اليمن ومنذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 بدأت هذه المليشيات بمصادرة حقوق التعبير وحرية الاعلام من خلال اقتحام مكاتب القنوات الاعلامية المخالفة لها واغلاق جميع الصحف وانهاء هامش الحريات الموجودة مشيراً إلى أن جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات وحلفائها اصبحت ذات لون واحد فقط غير قابل للتمايز الشكلي على الاقل.
ويردف قائلاً:" بالتأكيد في الجانب المقابل لا توجد اية نشاطات اعلامية علنية لجماعة الحوثي وحلفائها في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الشرعية والحكومة اليمنية لكنه واقع فرضته جماعة الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة اذ لم تترك اي مجال او هامش اعلامي متاح وبالتالي نحن امام هجمة غير مسبوقة ضد الصحافة والصحفيين وصلت حد القتل والتعذيب واستخدامهم كدروع بشرية أمام غارات التحالف بقيادة السعودية بحجة تأييد هؤلاء الصحفيين للغارات الجوية على اليمن".
إلى ذلك يقول الصحافي توفيق عبد المجيد مدير عام الاخبار في قناة اليمن الرسمية "لا يمكن القول إن هناك صحافة أو وسائل إعلام في اليمن غير تلك التابعة لصالح والحوثي .. بمعنى أن مستوى الحريات الصحفية هبط إلى أدنى مستوى له .. ولا يمكن التفكير حول مستقبل الصحافة في اليمن في ظل وجود الحوثيين لأنه نوع من العبث فهؤلاء لا يفهمون معنى الصحافة إلا أن تقول ما يريدون هم فقط.
يأتي هذا في الوقت الذي كشف مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي امس في أخر تقاريره عن حرية الصحافة في اليمن أنه منذ بداية العامي الماضي حتى الأن قتل 15 من الصحفيين وجرح 41 ، ولا يزال 17 صحفيا مختطفاً لدى مسلحي جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة مشيراً إلى أن أغلب الصحفيين المعتقلين يعيشون منذ اعتقالهم لعمليات تعذيب مستمر في حين يعيش المجرمون بحرية تامة ويستمرون في ممارسة الانتهاكات ضد الصحفيين والناشطين .
وكشف المركز في تقريره عن الانتهاكات للحريات الاعلامية للفصل الثالث من العام 2016 ، عن رصد53 حالة انتهاك ضد الصحفيين ونشطاء التواصل الاجتماعي ، تنوعت بين حالات القتل والاختطاف والاصابة والتهديد والاقتحام والنهب والمصادرة واعتداء بالضرب إلى جانب حجب واختراق قنوات فضائية ومواقع الكترونية.
وعبر التقرير عن قلقة المتزايد جراء استمرار الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الاعلامية ،والتي راح ضحيتها 2 من الاعلاميين خلال الربع الثالث من العام الحال ، والذي يعتبر مؤشر خطير يتوجب على جميع الاطراف اتخاذ التدابير اللازمة حيال حماية الصحفيين.
هذا ويُعد الصحفي وحيد الصوفي، من أقدم الصحفيين اليمنيين الذين تم اختطافهم وإخفاؤهم قسريا في البلاد، حيث اختطف في 6 نيسان/ إبريل 2015، في حين لا يزال هناك 17 صحفيا مختطفاً في سجون جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة ، تسعة منهم تم اختطافهم منذ التاسع من يونيو من العام الماضي ويتعرضون للتعذيب ، وهم عبد الخالق عمران توفيق المنصوري، حارث حميد، هشام طرموم، هشام اليوسفي ، أكرم الوليدي ، عصام بلغيث ، حسن عناب ، وهيثم الشهاب ، بالإضافة للصحفي صلاح القاعددي ، ابراهيم المجذوب ، عبدالله المنيفي، حسين العيسي ، يحيى الجبيحي، اسعد العماد ، والصحفي محمد المقرمي الذي لازال يقبع في سجون تنظيم القاعدة في محافظة حضرموت.
المصدر: المشاهد