ستة أعوام مضت على مجزرة جمعة الكرامة، التي وقعت ظهر الثامن عشر من مارس ألفين وأحد عشر بساحة التغيير في العاصمة صنعاء، وسالت فيها دماء أكرم اليمنيين على مذبح الطغيان والظلم ونهج احتكار السلطة وتوريثها وتأبيدها.
استشهد في مذبحة جمعة الكرامة أكثرُ من خمسين ثائراً وأصيب أكثر من مائتين وخمسين آخرين معظمهم من الشباب.
ومنذ ذلك التاريخ وهذه القضية العادلة تتعرض للتغييب وتكاد تطوى في ملفات العدالة الغائبة، خصوصاً بعد أن قرر القتلة أنفسهم في واحد عشرين سبتمبر ألفين وأربعة عشر وضع أيديهم على الدولة مجدداً لتدخل بعدها البلاد في حرب أهلية مدمرة حصدت الآلاف من اليمنيين.
دخلت مشاهد القنص للثوار في ساحة التغيير ذاكرةَ أمةٍ بكاملها. فعند الجدار الذي أقيم جنوب ساحة التغيير أقيم مذبحُ الحرية الذي غير مجرى التاريخ اليمني المعاصر.
كمنَ العشراتُ من قناصي النظام المخلوع في المنازل المحيطة بساحة التغيير، منذ فجر الثامن عشر من مارس ألفين وأحد عشر وعقب صلاة الجمعة مباشرة بدأ هؤلاء القتلة المأجورون مهمتهم. انهالت الرصاصُ من كل حدب وصوب، واستهدفت بشكل أساس شهود الحرية والتغيير من الصحفيين والإعلاميين وموثقي الحدث.
النتيجة كانت كارثيةً تماماً أكثر من خمسين شهيداً ومئات الجرحى، هي حصيلةُ المجزرة التي صبغت ذلك اليوم باللون الأحمر القاني، ومنحته اسماً جديداً هو جمعة الكرامة.
لقد كانت كرامة اليمنيين تستحق هذه التضحيات، لكنها لا تتحمل هذا الجمود القاتل في قضية لن تمحى أبداً وجريمة لن تسقط بالتقادم.
دفع الثوار في ذلك اليوم ثمناً باهضاً للإمساك بالقتلة، الذين فروا ولم يبق سوى تسعة عشر قاتلاً مأجوراً، أودعوا السجن لكن نظام صالح القمعي أمر بإطلاق سراحهم.
إجراءات ذلك اليوم السياسية والقضائية والأمنية كانت تشير إلى الذي دبر جريمة القتل وأمر بها.. إنه المخلوع صالح وأبناؤه ومساعدوه في الجهازين الأمني والعسكري.
أقيل النائب العام وأعلنت حالة الطوارئ وأقيلت الحكومة. كانت محاولة مدروسة للالتفاف على الجريمة ودفنها، لكن الإجراء الحقيقي الذي كان يتعين فعله لم يتم، التحقيق والعدالة.
وحدها منظمة هيومن رايتس ووتش أنجزت تقريراً يتمتع بالمصداقية حيال جريمة قتلت على مذبح القضاء اليمني ففي الثاني عشر من فبراير أفين وثلاثة عشر بعد سنتين من وقوع المذبحة.
حينها حذرت ليتا تايلر، كاتبة التقرير من أنه "إذا لم يفتح اليمن تحقيقا عادلا، ويحاكم أولئك المسؤولين عن هذا الهجوم المميت، فإنه يخاطر بترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في قلب الانتفاضة اليمنية" وقد كان.
المنظمة ذاتها لفتت في تقريرها أنه بعد تأجيلات عدة، بدأت في سبتمبر ألفين وثلاثة عشر محاكمة جنائية تستند إلى تحقيقات معيبة.
فالمحكمة أدرجت ثلاثة وأربعين من أصل ثمانية وسبعين متهماً بصفة هاربين من العدالة. وتضمنت قائمة الهاربين اثنين من أبناء مُحافظ موال لصالح كما جاء في تقرير المنظمة الأمريكية.
علقت المحاكمة في نوفمبر من العام ألفين وثلاثة عشر أي بعد شهرين من بدئها، بعدما رفع محامو الضحايا دعوى بطلب ضم مسؤولين حكوميين سابقين وحاليين إلى قائمة الاتهام، بما في ذلك المخلوع صالح وأقاربه.
لكن قانون الحصانة الذي استبق بدء المحاكمة بنحو عام، كان قد صُمم ليفرغ هذه المحاكمة من مضمونها ويعطل أهدافها ومقاصدها، بعد أن وضع القتلة فوق المساءلة وفوق العقاب.
يدفع اليمنيون هذا الثمن الباهظ لأنهم سمحوا للقتلة بالإفلات من العقاب، ومنحوهم المزيد من الفرص لمواصلة جرائمهم التي نراها اليوم في شكل هذه الحرب الأهلية المدمرة وهي تهدر الكرامة الشخصية والوطنية معاً.