الثاني والعشرون من مايو لعام ألف وتسعمائة وتسعين، يوم رضوخ النظامين الحاكمين في شطري البلاد للإرادة الشعبية، وتحقيق حلم اليمنيين بدولة يمنية واحدة على نهج ثورتي سبتمبر واكتوبر.
دشن عهد الوحدة بالتعددية السياسية، والانفتاح الاقتصادي والسياسي، وبدا وكأن اليمنيون يعيشون أزهى أيامهم.. كانت الآمال كبيرة، والأحلام بعهد جديد تتعاظم، فيما كانت كل المؤشرات تؤكد صوابية الخيار، وعظمة المنجز.
لم يعمر الفرح طويلاً، إذ سرعان ما عادت أطماع النخبة الحاكمة وانقساماتها لتحفر حول أساسات المشروع الكبير، في الطريق إلى انهياره..
جاءت حرب صيف أربعة وتسعين، لتمثل ضربة قاصمة للوحدة ولليمن الكبير، ثم أعقبتها سياسات نظام صالح لتجعل من الفكرة التي ناضل اليمنيون من أجلها وتغنوا بها لعقود، تتحول إلى جريمة في نظر البعض.
سياسة الاقصاء والاستبعاد، بالإضافة إلى انسداد أفق الشراكة والتبادل السلمي الذي انتجته ممارسات نظام صالح، كل ذلك عجل باندلاع الحراك السلمي الجنوبي في 2007، للمطالبة بإصلاح مسار الوحدة، ومعالجة آثار حرب أربعة وتسعين، إلا أن صالح لم يكن يصغي لأحد وقتها، وهو يهندس مشروعه الخاص بتوريث سلطته لأبنائه، بعد أن قسم كل مصالح البلاد بين أفراد عائلته ومقربيه.
اليوم وبعد مرور تسعة وعشرين عاما على اعلان الوحدة ماذا تبقى من ذلك الحلم المتعثر؟
يدفع هادي بمشروع اليمن الاتحادي كصيغة بديلة للوحدة اليمنية، تم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار الوطني، وتضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة، إلا أن الحرب القائمة ومخرجاتها تبدو الآن وقد عصفت بها، أو غيرت بعض ملامحها على الأقل.
بعد انقلاب الحوثيين اندلعت الحرب، ووصلت المليشيا الى عدن، لتتدخل دول التحالف وتتغير المعطيات وخارطة المصالح السياسية على الأرض.
يعزز الحوثيون وجودهم على الحدود الشطرية، فيما تعمل دول التحالف على دعم وتمكين الكيانات العسكرية والسياسية الانفصالية في المناطق الجنوبية، في مشهد يبدو وكأنه ليس عودة إلى عهد الشطرين فحسب، بل إلى مرحلة ما قبل الثورة والتحرر الوطني، بأشكالها ومسمياتها، والقوى التي تمثلها.
فماذا تبقى من الوحدة اليمنية.. وماذا تبقى من تراث خمسين عاماً من النضال الوطني في سبيلها؟