تقويض الدولة، وملشنة مؤسساتها، وتسليم سلاح الجيش والأمن لجماعة عنف مسلح، أحال البلد إلى ما يشبه محميةً بريّة، تتسيد فيها الوحوش المفترسة وتتسابق على ذبح فرائسها دون رقيب.
أربعون ألفاً وأكثر سقطوا بين قتيل وجريح، منذ الاجتياح الدموي لمليشيا الحوثي والمخلوع صالح، للمدن اليمنية والانقلاب على السلطة الشرعية والإجماع الوطني، في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014، تقول التقارير الحقوقية.
النساء والأطفال على رأس قائمة الضحايا، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو ألفي طفل وامرأة قتلوا، وأصيب قرابة ثمانية آلاف آخرين، فيما لا تزال ألغام المليشيا، المقدرة بنصف مليون لغم، تحصد أرواح المدنيين، وعدّاد الضحايا يستمر في إحصاء المزيد.
إرثٌ ثقيل من القمع وثقافة العنف والكراهية يشترك فيه طرفا الانقلاب، ويتجسد واقعاً في حالة من التوحش الممنهج، ألقت بظلالها على الحالة الحقوقية والإنسانية في البلد.
اتخذ المتمردون الحوثيون وحليفهم علي صالح المجتمع اليمني رهينة، وذهبوا للمقايضة على حياة اليمنيين وحقوقهم وكرامتهم مقابل الحصول على أي نوع من الاعتراف السياسي كسلطة أمر واقع.
لا مكان لأي شكل من أشكال العدالة في اليمن، الطغيان هو السمة البارزة لسلطة الانقلاب، حتى قوانين الحرب، عمدت المليشيا إلى انتهاكها، وبصورة ممنهجة.
بمنظور المليشيا، فإن الخدمات الأساسية للسكان ترفٌ لا يستحقه الناس، فكيف بالحقوق والحريات؟!، وعليه عمدت إلى نهب الموازنة العامة للدولة، والاحتياطي النقدي، ومرتبات الموظفين، وإيرادات الضرائب والجمارك، وغيرها، وزادت على ذلك الجبايات مقابل الحرب، ولا شيء غيره، والنتيجة سوء التغذية الحاد، والمجاعة، والكوليرا، وأوضاع معيشية بالغة السوء.
التقارير الحقوقية وبيانات المنظمات الأممية والدولية تتوالى، محذرةً من كارثة صنيعة البشر هي الأسوأ في العالم، لكن الإرادة الدولية تذهب باتجاه محاولة البحث عن حلولٍ ترقيعية تكافئ الجلاد وتطيل أمد الصراع والمآسي.
حُقبة قاتمة يشهدها اليمن بعد ثلاث سنوات من الانقلاب وسلطة المليشيا، لا مجال للخروج منها، دون استعادة الدولة والعودة إلى مسار الانتقال السياسي ونزع سلاح المليشيا، ومحاسبة المتورطين في جرائم الانتهاكات.