تختفي وجوه القتلة وتظهر أيديهم في خطوة إضافية لإنجاز المهمة التي بنت الجدار واشعلت النار، وأطلقت الرصاص، وبينما أرسلت السحب السوداء الي السماء كانت ترسل الرصاص ثلاثة وأربعين شهيدا الي المقبرة، يحفظ اليمنيون جيدا هذا المشهد وكيف حدث ومن ابطاله ومن ضحاياه، لكنهم لم يعرفوا حتى الان الي اين ذهب ملف القضية ولماذا ارتكبت جريمة أخرى ممثلة بحق الشهداء فاخفت السلطات المعنية قضيتهم.
فبدلاً من تحقيق التغيير الذي استشهد لأجله المتظاهرون، يمكن القول اليوم ان نتائج هذه التحقيقات التي لم تكتمل اصلا أدت إلى زيادة واستمرار ثقافة الإفلات من العقاب في ظل بقاء صالح واذرعه ومؤسسات نظامه البوليسي في المشهد.
بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات السلمية كانت جريمة الكرامة بداية جديدة لنظام صالح مع استخدم العنف، فمثلت ما يشبه اعلانا رسميا للقطيعة مع الساحات الي الابد، واليوم تبدو جريمة الجمعة السوداء صفحة في ملف عنف الرجل الملطخ ليس ضد الساحات ولكن ضد الشعب، إذ ارتكب الرجل وتحالفه مع مليشيا الحوثي ابعد من جمعة الكرامة، وحول اليمن بأسره الي كرامة مهدورة، ذبحت الكرامة في هجوم وصف بالأكثر دموية حينها على المتظاهرين في انتفاضتهم السلمية،
خمس سنوات مرت على مذبحة الجمعة الدامية ولا جديد غير اجترار الذكريات سنة بعد أخرى،
وعلى الرغم من وجود مادة كافية للتعرف على وجوه من ارتكبوا هذه الجريمة؛ الا ان السلطات والجهة المسؤولة لم تكثف جهودها في كشف القتلة للراي العام او تقديمهم للعدالة، في لحظة صارت العدالة والوطن في مهب القاتل الأول،
صالح الرجل الذي سخر كل اجهزته وولاءاته في قمع الشعب وارتكاب جريمة مشهودة ظلت جريمة مفتوحة الأسئلة الكثيرة والجراح وبلا عقاب.
في ظهيرة الثامن عشر من مارس كانت الكاميرا تجول في الاحياء الخلفية لدوار شهداء الكرامة، وقبل ان تحدث الجريمة بوقت قصير، كان الملثمين جزء منها او هم ابطالها، لكن لم يسأل أحدا من هم هؤلاء وأين ذهب بعضهم بعد ان القى القبض عليهم، مع ان جمعة الكرامة هزت وجدان العالم ولم يهتز ضمير السلطات المعنية في كشف القتلة ومحاكمتهم. على الرغم من انهم ارتكبوا الجريمة في وضح النهار وامام عدسات المصورين.