وأكد مسؤول البحث الجنائي في مستشفى الجمهورية في عدن نبيل فضل علوان أنه تم إسعاف أكثر من 16 شخصا منتصف الشهر الماضي إلى المستشفى، وجميعهم تعاطوا مادة "الأسبريت" الكيميائية المعروفة باسم "السبيرتو".
وأضاف علوان أن اللجوء "للسبيرتو" كان نتيجة عدم قدرتهم على شراء ما يسمى الخمر البلدي، المصنوع محليا في معامل سرية بالمدينة، ويتم تحضيره من العنب والسكر، وأحيانا من بعض بقايا الخضراوات والفواكه، ويتم عصره ثم تخميره ووضعه في علب مغلقة فترات معينة.
وبحسب علوان، فقد توفي أربعة أشخاص من الذين تم إسعافهم على الفور، وأصيب ستة أشخاص بالعمى التام، في حين تعرضت أربع حالات لإصابات متوسطة في الجهاز العصبي، وتماثلت حالتان للشفاء.
في المقابل، قال الصحفي اليمني فتحي بن لزرق، وهو رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد" المحلية، إن الأرقام أكثر من تلك التي أعلنت، وإن أعداد الضحايا تجاوز أربعين شخصا، بينهم مواطنون من خارج عدن.
ولفت ابن لزرق إلى أن هناك طرفا واحدا يبيع ذلك النوع من الكحول المغشوش، واشتراه المتعاطون منه دفعة واحدة، ومنهم من عاد إلى منزله ومات ودفنته أسرته بطريقة عادية دون أن تفصح عن الأسباب.
كما كشفت مصادر عن أن الاشتباهات الأولية تشير إلى أحد ملاك الصيدليات في عدن لديه معمل خاص، ويستورد مثل تلك المواد ويصرفها إلى المرافق الصحية لأغراض علاجية.
وتحدث أطباء عن نوعين من الأسبريت: الأول "ميثانول"، وهو الأخطر، إذ عندما يتعاطاه الشخص يتسبب في إصابة النخاع الشوكي مباشرة، ويؤدي إلى فقدان البصر.
أما النوع الثاني فهو "إيثانول"، وهو الأخف، حيث يجري في العادة تخفيفه وتعاطيه من قبل بعض الذين ليس بمقدورهم شراء الخمر البلدي، ويصعب التفريق بين النوعين.
ويفيد الدكتور اليمني عبد القادر الجنيد أن "الميثانول" إذا أخطأ الإنسان في استهلاكه، فإنه يتحول داخل الجسم بنفس إنزيم "ديهايدروجينيز" الكحوليات إلى "فورمالدهايد" ثم إلى أملاح "الفورمات".
وتعد هذه المكونات شديدة التسميم وفتاكة بالخلايا العصبية للمخ، خاصة العصب البصري، كما تسبب حموضة الدم، ومن أعراضها تسارع وتيرة التنفس كمحاولة من الجسم لمعادلة الحموضة بالتخلص من ثاني أكسيد الكربون.
أسباب ومعالجات
وحسب مصادر طبية وأخرى أمنية في البحث الجنائي بعدن، فإن ما وقع يعد سابقة خلال سنوات الحرب، قائلين إن كل شيء بات متوفرا في المدينة من الخمر البلدي المصنوع في معامل خاصة إلى الحبوب المخدرة.
ويؤكد فتحي بن لزرق أن ظاهرة صناعة الخمر البلدي في مدينة عدن هي ظاهرة قديمة جدا، ترجع إلى عشرات السنين، وتصنع غالبا في معامل خاصة بالأحياء الفقيرة.
وأضاف أنه تمت مداهمة بعضها من قبل قوات أمنية مؤخرا في عدن، ولكن هناك من لم يستطع شراء تلك الخمور فلجأ إلى تعاطي "الأسبريت".
وحول الأسباب التي تدفع الناس إلى تعاطي المخدرات، وكذلك مشروبات الخمر البلدي أو الأسبريت، في عدن؛ أرجعها بن لزرق للوضع الاقتصادي السيئ، وازدياد معدلات البطالة، وتضاعف الإحباط لدى الكثير من الناس بسبب الحرب والأوضاع المعيشية الصعبة.
وعن الأعراض السلبية لتعاطي المواد المخدرة، يقول الدكتور اليمني عبد القادر الجنيد أن الاستعمال المتكرر للكحول يتسبب في الالتهابات وفشل الكبد واعتلال عضلة القلب والذهن وخرف العقل.
ويختلف تأثير الخمور على الناس من شخص لآخر بحسب التركيب الجيني المختلف، ووجود أو غياب أو نقص الإنزيمات داخل أجسامهم للتعامل مع الكحول وتكسيره عبر خطوات متتالية حتى الوصول إلى المادة النهائية التي يتم التخلص منها عبر إفرازات الجسم، وفق الجنيد.
المدصدر: الجزيرة نت