اضطرت أسرة عبد الرحيم عبدالله إلى مغادرة صنعاء متوجهة نحو قرية ريفية في محافظة إب، بعدما عجزت عن توفير بدل إيجار المنزل الذي كانت تسكنه منذ سنوات. عبدالله، وهو موظّف في مؤسسة حكومية لم يحصل على راتبه منذ نحو عام.
يقول: "صاحب العقار الذي أسكن فيه لا يكتفي بطرق باب الشقة التي أسكنها وأولادي مرات عدة في اليوم مطالباً بدفع الإيجار فحسب، بل يتصل بي مراراً مهدداً باللجوء إلى القضاء، ما يجعلني أعيش في قلق دائم".
ويشير إلى أن الأزمة المالية تؤثر عليه وعلى زملائه، إلا أن أولئك الذين لا يملكون بيوتاً هم أكثر تأثراً.
ويؤكّد أنّ مطالب صاحب المنزل، وعدم تفهمه للظروف الصعبة التي يمر بها، والناتجة عن انقطاع الرواتب، جعله يترك المنزل بعدما تعهد بدفع بدلات الإيجار المتأخرة في حال صرف الرواتب.
يضيف: "نقلت أثاث المنزل إلى قريتي، وها أنا أبحث عن عمل آخر لتوفير الاحتياجات الأساسية لأطفالي".
كثيراً ما يُطرد المستأجرون في حال لم يدفعوا ما عليهم لمالكي منازلهم، خصوصاً الموظفين في القطاع العام، لعدم قدرة الدولة على تسليم رواتبهم للوفاء بالتزاماتهم.
ووجد موظّفون أنفسهم مشردّين مع عائلاتهم عند الأقرباء أو الجيران بعد قيام المؤجرين بإغلاق شققهم وطردهم واحتجاز الأثاث الخاص بهم. يحكي الموظّف الحكومي أمين بمرارة قصّته مع صاحب العقار الذي طرده، واحتجز أثاث منزله في منظقة السبعين في صنعاء.
يقول: "رغم محاولتي المستمرة لإقناع المؤجّر بصعوبة الوضع والأزمة التي أثرت على حياة الناس عموماً والموظفين خصوصاً، إلا أن الرجل لا يعير الجانب الإنساني أي اهتمام، وقد طردنا من المنزل".
يضيف : "عدت إلى منزلي ذات يوم، ووجدته مقفلاً، وقد احتجز الأثاث ورفض السماح لي ولأسرتي بالدخول. اليوم أنا مشرد أعيش في منازل الأصدقاء. أما زوجتي وأطفالي، فيسكنون مؤقتاً في بيت عمي".
بشرى صالح أيضاً ضحية. تقول: "اقتحم مالك البيت الشقة بالقوة واحتجز الأثاث الذي بإمكانه بيعه وأخرج كل ما ليس له قيمه من ملابس وغيرها إلى الشارع. بعد سنوات من السكن في هذا المنزل، لم يكن أمامنا سوى التوجه إلى سكن أحد الأقارب بشكل مؤقت بهدف العثور على منزل آخر".
وكان قد توفي مؤخراً وكيل إحدى كبرى مدارس صنعاء الحكومية بحادث سير، ليكتشف أصدقاؤه ومحبوه بأنه وأفراد أسرته قد انتقلوا للعيش في "طارود" المدرسة التي يعمل بها، بعدما طرده صاحب المنزل الذي كان يسكنه نظراً لعدم قدرته على دفع الإيجار.
ولدى ملاك المنازل وجهة نظرهم في هذه القضية، إذ يعتمد كثيرون على بدلات الإيجار كمصدر دخل وحيد لهم ولأسرهم. يقول عبد الغني السعواني لـ "العربي الجديد": "إذا كان الراتب الشهري الذي تقدمه الحكومة للموظف الحكومي هو مصدر دخله الوحيد، فأنا أيضاً ليس لدي مصدر دخل إلا بدل الإيجار الذي أتقاضاه من المستأجر.
من الصعب أن أصبر لأشهر من دون الحصول على المال لأن أسرتي تنتظر مني توفير احتياجاتها". ويشير إلى أنه كثيراً ما تفهم المستأجرين، لكنه اضطر إلى إخراجهم من المنزل وإيجاد مستأجرين جدد يعملون في القطاع الخاص أو مؤسسات حكومية ما زالت تسلم الرواتب للموظفين.
يضيف: "يستطيع الموظّف الحكومي المستأجر الصمود أكثر من صاحب المنزل. المؤسّسات الحكومية تعطي الموظفين بطاقات بقيمة نصف الراتب، لكنّني لا أحصل على شيء، وسأموت جوعاً في حال لم أتمكن من تأمين بدل إيجار المنزل".
وفي ظل هذه المآسي المتكرّرة، أصدرت وزارة العدل في حكومة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين تعميماً للمحاكم، بهدف مراعاة ظروف الموظفين المستأجرين، مؤكدة التعامل بمرونة مع الدعاوى المتعلقة بالإيجارات خلال الفترة الراهنة التي تمر بها اليمن، وبما يكفل الحفاظ على حقوق المؤجر والمستأجر.
في هذا السياق، يقول مصدر قضائي في محكمة شمال الأمانة في صنعاء: "لدينا عشرات القضايا المتعلقة بالمستأجرين وأصحاب المنازل. نعمل على تطبيق توجيهات الوزارة بهدف التعهد من قبل المستأجر بالدفع في حال صرف الرواتب".
ويشيرإلى أن غياب قانون يحدد علاقة المؤجر بالمستأجر، والحقوق والواجبات للطرفين، فاقم من أوضاع المستأجرين، موضحاً أن علاقة الطرفين يحكمها العرف حالياً. يضيف أن "نسبة قليلة من القضايا التي تصل إلى المحاكم نستطيع البت فيها لأن القانون غائب ولا يحمي المستأجر، كما أن صاحب العقار هو المنتصر على المستأجر غالباً".
العربي الجديد اللندنية