عبد الرحمن البدوي اضطر إلى ترك منزله الواقع في شارع صنعاء بالحديدة، بعد الأخبار التي تؤكد اقتراب القوات التابعة للحكومة الشرعية، الأمر الذي يشير إلى قرب اندلاع حرب شوارع. يقول: "انتقلت إلى مدينة باجل وهي أقرب مدينة إلى الحديدة من جهة الشرق. لا أظنّ أنّ الحرب سوف تمتدّ إلى هنا إلا بعد انتهائها في المدينة. وفي حال وصلت الحرب إلينا، إمّا أنتقل إلى المحويت وإمّا أعود إلى مدينة الحديدة في حال استقرت الأوضاع".
يضيف البدوي أنّ "كثيرين ممن أعرفهم قرروا النزوح إلى مناطق مختلفة في الأرياف التهامية أو إلى إب أو تعز أو صنعاء أو المحويت، خصوصاً السكان الذين تعود أصولهم إلى مناطق خارج الحديدة"، لافتاً إلى أنّهم يعيشون ظروفاً صعبة.
ويتابع البدوي: "أسكن حالياً في منزل صهري، ولأنّني أعمل على دراجتي النارية، أستطيع توفير بعض من المال، الأمر الذي يساعد على تأمين قوت يومي. لكنّ كثيرين غيري لا يملكون مصادر دخل ويعيشون على مساعدات الناس والمنظمات في مناطق نزوحهم".
أسر عدّة تؤكد أنّها غير قادرة على النزوح بسبب وضعها المعيشي المتردّي. وتقول إيمان مرعي إنّ "النزوح يتطلب المال للانتقال ولتسديد بدل إيجار مسكن بديل بالإضافة إلى تكاليف المعيشة في تلك المناطق". تضيف أنّه "على الرغم من انتشار المسلحين والقناصة في شوارع المدينة ومساجدها ومبانيها تأهباً للمواجهات المسلحة، فإنّنا مجبرون على البقاء في الحديدة مهما حصل، إذ إنّنا لا نملك أيّ مكان نهرب إليه". وتشير إلى أنّها وأطفالها قد يتعرّضون إلى الأذى في أيّ لحظة، في حال وصلت المواجهات إلى المدينة.
المخاوف من جرّاء المواجهات المحتملة في المدينة، دفعت تجاراً كثيرين إلى إفراغ مخازنهم ومستودعاتهم من البضائع ثمّ نقلها إلى مدن أخرى مجاورة، بحسب ما تشير مصادر محلية . وتحسباً لأيّ مواجهة داخل المدينة، تلجأ أسر كثيرة إلى شراء المواد الغذائية الضرورية وتخزينها حتى لا يضطر الناس إلى مغادرة منازلهم في أثناء المواجهات.
وفي السياق، اضطر حميد عبد الرب إلى بيع بعض مقتنيات زوجته الثمينة بهدف شراء الأرزّ والدقيق والزيت والحليب وبعض المشتقات النفطية بهدف تخزينها للأيام المقبلة. يقول إنّ "أثناء الحرب لن نتمكّن من الخروج ولن نجد ما نشتريه حتى لو كان لدينا المال"، مشيراً إلى أنّ "المشكلة سوف تبقى بالنسبة إليّ في كيفية توفير المياه لأنّني لا أملك خزاناً كبيراً". يضيف عبد الرب: "أستطيع توفير المال، لكنّ كثيرين لا يستطيعون ذلك.
هم بالكاد يستطيعون توفير قوت يومهم، وسوف يقضون إذا استمرت الحرب لفترة طويلة". من جهة أخرى، يقول عبد الرب: "لا توجد كهرباء ونستفيد من بعض الشبكات التجارية في عدد من أحياء المدينة. وبالتأكيد سوف تتوقف خدمة الكهرباء نهائياً، وهذا ما يزيد من معاناتنا بسبب ارتفاع درجة الحرارة. ونحن لن نتمكّن من الخروج إلى الشارع أو إلى أسطح المنازل في المساء للاستفادة من بعض الهواء المنعش مثلما يحدث في الظروف العادية".
وتُعَدّ الحديدة ثاني أكبر وأبرز منطقة تجارية، وأنشط مركز دعم للعمليات الإنسانية في البلاد، إذ إنّ ميناءها هو الميناء الرئيسي الوحيد الذي يغطي الاحتياجات من سلع غذائية وغيرها إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وهو بات طريقاً استراتيجياً يؤدّي إلى ميناء الصليف، آخر الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون وأكبر ميناء يستقبل الحبوب في اليمن إذ إنّه يمتاز بقدرته على استقبال السفن العملاقة.
وتزداد المخاوف المحلية والدولية من اقتراب الاشتباكات وتأثيرها على توريد المشتقات النفطية المختلفة والسلع التجارية ومواد الإغاثة عبر ميناء الحديدة. ويتوقع خبراء أن يتسبّب ضعف الناس في محافظة الحديدة الفقيرة في مآسٍ إنسانية خطيرة في حالة امتدّ الاقتتال إليها. وبحسب مصدر في منظمة دولية، فإنّ المنظمات الدولية أبلغت العاملين فيها بوجوب مغادرة المدينة والاستقرار في مناطق بعيدة عن خط المواجهات المسلحة.
ويشير المصدرى إلى أنّ "بعض المنظمات بدأت تجهّز مكاتب طوارئ لها في مناطق بديلة، وربّما تستقر في مدينة باجل وفي مدينة عبس في حجة". يضيف أنّ "المنظمات تناقش بصورة مستمرة مسألة الحرب في الحديدة بهدف التخطيط لكيفية استمرار العمل الإغاثي في ظل سيناريوهات الحرب، لا سيّما إذا استمرت لفترة طويلة. لكنّنا فعلاً نواجه مشاكل في نقل ما لدينا في المخازن من مساعدات ضخمة والتي تغطي كذلك المناطق التهامية الأخرى في حجة".
وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأنّ تصاعد حدّة الصراع منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي على طول الساحل الغربي وفي تعز، أدّى إلى نزوح أكثر من 130 ألف شخص يُضافون إلى نحو ثلاثة ملايين آخرين أجبروا على النزوح بعيداً عن ديارهم منذ عام 2015.