تعيش آلاف من الأسر اليمنية في الوقت الحاضر انعداماً في الأمن الغذائي، وسوء التغذية لدى أفرادها كافة، تزامناً مع تصاعد حدة الحرب في اليمن خلال الشهور العشرة الماضية.
وبات الكثير من اليمنيين، يعانون من وضع معيشي سيئ، نتيجة توقف العديد من القطاعات الحيوية في البلاد، وفقدان آلاف أرباب الأسر لمصادر رزقهم، الأمر الذي فاقم مشكلة الوضع الغذائي، وزاد من ظاهرة التسول. خاصة في المدن التي تشهد نزاعات وقصفاً بشكل يومي.
محمد العباسي، في العقد الرابع من عمره، يقول إنه لم يعد قادراً على الحصول على الغذاء اليومي لأفراد أسرته، البالغ عددهم ستة أشخاص، نتيجة فقدانه لوظيفته مع اندلاع الحرب الأخيرة في اليمن في مارس/ آذار الماضي".
ويضيف العباسي للأناضول "أعيش وضعاً معيشياً صعباً، ولم أعد أحصل على أدنى الاحتياجات الأساسية لأسرتي بسبب الأوضاع العامة في البلاد، هناك أناس يتعاونون معي بتزويدي ببعض الغذاء للعائلة، ونأمل أن تنتهي الحرب كي نعود لأعمالنا".
وحذر برنامج الأغذية العالمي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من أن "وضع الأمن الغذائي في اليمن يتدهور بسرعة"، قائلاً إن "10 من أصل 22 محافظة يمنية تواجه انعدام الأمن الغذائي على مستوى الطوارئ".
وجدد البرنامج تحذيره، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، من أن النزاع اليمني فاقم أزمة الأمن الغذائي، "إذ انضم أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى صفوف الجياع في أقل من سنة"، فيما أظهر تقرير عن الحاجات الإنسانية للأمم المتحدة لعام 2016، أن 7.6 ملايين شخص في اليمن يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد، وهو مستوى من العوز يتطلّب توفيراً سريعاً لمساعدات غذائية خارجية، كما أن 21.2 مليون شخص، أي 82٪ من السكان، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.
"انضم أكثر من ثلاثة ملايين شخص إلى صفوف الجياع في أقل من سنة"
ويرى المحلل الاقتصادي أحمد سعيد شماخ "أن الكثير من الأسر اليمنية باتت تعاني من سوء التغذية، نتيجة الحروب الدائرة في أجزاء واسعة من البلاد، التي أدت إلى شلل في الحركة الاقتصادية وتسريح نسبة عالية من موظفي القطاع الخاص وإغلاق مصانع عديدة".
وقال شماخ إن "الحرب دفعت غالبية أسعار السلع الأساسية نحو الارتفاع، في الوقت الذي لم يعد الكثير من المواطنين قادرا على تغطية احتياجاتهم من الغذاء، لعدم وجود السيولة النقدية بين أيدي المستهلكين".
ولفت إلى أن الصراع المستمر أدى إلى توقف أعمال المقاولات والإنشاءات، وتضرر قطاعي الزراعة والسياحة، في الوقت الذي تعتمد فيه آلاف الأسر على هذه القطاعات كمصدر رزق.
من جانبه، أشار علي الديلمي "طبيب" إلى أن مسألة سوء التغذية موجودة من قبل الحرب في البلاد، "غير أن الحصار والحرب المشتعلة في اليمن أدى إلى تفاقم المشكلة".
وتدور في عدة محافظات يمنية، منذ مارس/آذار 2015، معارك بين جماعة الحوثيين المتمردة وقوات الرئيس المخلوع على عبدالله صالح من جهة، والقوات الحكومية والمقاومة الشعبية التابعة للرئيس هادي من جهة أخرى تساندها ضربات لتحالف عربي.
ويعاني اليمن ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير النفط، وتوقف الإيرادات الجمركية، وتفاقمت المشكلة مع استنزاف الحوثيين لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد.
وسجل الريال اليمني، منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدنى مستوى له أمام الدولار، حيث هوى إلى 270 ريالاً، بسبب امتناع البنوك الحكومية عن صرف الدولار واليورو.
وسبق أن ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أنّ 80% من سكان اليمن، أي أكثر من 20 مليون شخص، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية بشكل عاجل، بعد أن أدت الحرب إلى تفاقم الوضع في هذا البلد الفقير.
كما يفيد تقرير للبنك دولي بأن الفقر في اليمن ارتفع إلى 54.5% من مجموع السكان البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة، مؤكداً أن البطالة بين صفوف الشباب ارتفعت إلى نحو 60%.
ودعت دول مجلس التعاون الخليجي، في بيان ختامي صادر عن قمة زعماء الخليج بالعاصمة السعودية الرياض في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى عقد مؤتمر دولي لإعمار اليمن بعد التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة هناك، التي أودت بحياة نحو 6 آلاف شخص، وأحدثت أضراراً واسعة النطاق في الاقتصاد والبنية التحتية للبلاد، في الوقت الذي قدّر فيه خبراء اقتصاد يمنيون الكلفة الأولية لإعادة الإعمار بنحو 10 مليارات دولار.