هذا المسن ما زال يحمل غبار الريف الذي قدم منه، وزيادة على ذلك ما زال يحمل اعتقاد أن المدينة مثل الريف في تآلفه ومعرفة الناس بعضهم البعض، وأن أي غريب قادم على المدينة قد يعرفه جميع سكانها على أنه غريب.
ظل يرابط المسن حتى وقت متأخر من الليل يرقب الباصات ومن القادمين عليها لعل ولده يكون أحدهم، ومرت ساعات حتى أوشك الفجر على البزوغ وهو مصر على أنه سيجد ولده.. طلع الفجر ولم يأت ولده ولم يفقد الأمل في قدوم ولده.
كم هو مؤلم ومفجع أن تضع والديك مكان ذاك المسن وتتخيل أنهما يبحثان عنك.
مع العلم إنهما فعلا أي أبائنا وأمهاتنا يبحثون عنا وينتظرون متى نعود إليهم كما كنا نفعل قبل أن تسرقنا هذه الحرب الملعونة، فيما نحن غارقون في تضاريس المدن.. غارقون بالفعل.
لا نستطيع العودة بسبب الظروف التي غدت تحكمنا.. نكافح من أجل لقمة العيش.
فمتى يا حرب تحطي أوزارك عنا لنعود إلى أبائنا وأمهاتنا فإنهم في انتظارنا منذ أعوام.. وقد ابيضت أعين كثير منهم بسبب الحزن.