في ساعات الصباح الباكر يسافر"توفيق الرعادي" من العاصمة صنعاء إلى محيطها في مديرية "خولان" -والتي تبعد نحو 50 كيلو متر- من أجل شراء التين الشوكي من المواطنين هناك الذين يحرصون على استغلال الموسم السنوي لبيعه في السوق، حيث يعتبرون العمل فيه رزق سهل بلا أي تكلفة مادية لإنتاجه.
وتتميز الفاكهة بطعمها اللذيذ الذي يفضله اليمنيون وينتظرون موسمه لاستهلاكها، ففي القرى يستطيع الناس الحصول عليها من المرتفعات والمناطق المزروعة بالتين في الجبال، أو المنحدرات التي تكون فيها التُربة أقل خصوبة، وهي فاكهة نبتتها تتجدد بشكل تلقائي دون عناية.
أسواق ممتلئة
في سوق "السنينة" الشعبي في العاصمة صنعاء، ينتشر كثير من الباعة بعربيات متنقلة ممتلئة بالتين الشوكي (البَلسْ)، ينادون على زبائنهم الذين يتجمعون حولهم للشراء بالحبات، وفي الجانب الآخر من السوق تتواجد كميات أخرى كبيرة على متن سيارات يتم البيع بالجُملة إما للأشخاص أو للباعة.
ويقف "توفيق الرعادي" بجوار سيارة ممتلئة بالتين الشوكي يعمل على تعبئتها في جالونات حديدية (تَنَكْ) وهو المقاس المتداول في السوق إضافة إلى السِلال، ويرتدي قفازات مطاطية تحمية من الأشواك الكثيفة التي تغطي قشرة التين، ويتحدث عن جودة بضاعته قائلاً "هذا بَلسْ خولاني طري رقم واحد".
وقال في حديث لـ"بلقيس" نشتري البَلسْ من خولان بأسعار متفاوتة، ونعمل على افراز أنواع التين من حيث حجم الحبة، فالعبوة التي تكون حباتها كبيرة يكون سعرها اكبر، والصغيرة سعرها أقل، اما جودتها فهي تتشابه بشكل كبير، ولا يوجد فارق.
وأضاف "أن الموسم يستمر أربعة أشهر بالسنة، فهو يعمل على شراء ملئ صندوق سيارته ويبيعها في يومين على الأكثر، وأحيانا تباع في يوم واحد ويشتري منه حتى الباعة في الأسواق، بالإضافة إلى الأسر التي تستهلك كميات كبيرة".
حصيلة ربح جيدة
يرتدي "حسن الوصابي" قبعة بيضاء لتقيه من حرارة شمس الظهيرة ويرش الماء على "التين الشوكي" المتكوم فوق عربيته حرصاً منه على ان تكون باردة للمستهلكين الذين يأكلونها طازجة من يد البائع الذي يقوم بتقشيرها ايضاً لكافة الزبائن الذين يخشون من الأشواك.
ويبيع "الوصابي" الحبة التين الكبيرة بخمسين ريال والصغيرة بـ 25 ريال يمني، بمعنى أن 11 حبة من التين الشوكي يكون سعرها (واحد دولار أمريكي)، وقال في حديث لـ"بلقيس" إنه يشتري السَلّة بـ 2500 ريال يمني (4,5 دولار امريكي) ويحصل على ربح جيد حوالي 80% من سعرها، وهذا يوفر له مال اكثر من الفواكه الأخرى التي يعمل فيها طوال العام.
غير ان الربح الكثير يحصل لأولئك الذين يعملون على تموين السوق من المزارعين في المناطق الريفية، وينتظرون طوال العام لجني "التين الشوكي" دون أن يعملون أي شيء من اجله زراعته، حيث يُزرع تلقائياً دون أي جهد لإنتاجه أو الاعتناء بنبتته المتجددة، لكنه يوفر مال سهل فهم يقطفون الثمرة فقط وهذا كل ما يفعلوه.
فاكهة شعبية لذيذة
وإلى جانب انها أصبحت توفر فرص عمل ومصدر دخل لمئات الأشخاص الذين يعملون فيها، فهذا كله نتيجة طبيعة كونها فاكهة لذيذة ومستهلكة من قبل الناس الذين يحرصون على شرائها بشكل يومي، ويقول "مختار البعداني" – موظف بصنعاء- تشدني مناظر التين الشوكي في السوق بشكل كبير لذا لا يمكن ان أشاهدها دون أشتري كمية للبيت، او اتناولها في الشارع.
وأضاف في حديث لـ "بلقيس" يوجد لدينا في القرية بَلس بشكل كبير وهي متوفرة للجميع وتنتشر في الجبال والمنحدرات ولا أحد يستطيع تملكها أو منع الناس من قطفها، فهي أشبه بسبيل للجميع وعندما أكون هناك أحرص على قطفها بيدي وتناولها طازجة رغم ألم أشواكها المزعجة.
ووفقاً لبيانات الإحصاء الزراعي فان التين الشوكي يسهم في توفير ما يزيد عن 13 ألف فرصة عمل موسمية للعاملين في بيع وتسويق الثمار. وبلغت إنتاجية اليمن منها خلال العام 2017 م أربعة آلاف و875 طنا، من مساحة مزروعة بأشجار التين قدرها 485 هكتار خلال العام نفسه.
وتصنف زراعة التين في اليمن ضمن الزراعة العضوية الخالية من المبيدات والتدخلات الكيماوية، وهي غنية بالفيتامينات والمحتويات الغذائية، ولها فوائد كثيرة حيث تساعد على الهضم وتساهم في ثبات معدل سكر الدم وعلاج ارتفاع ضغط الدم، كما انها غنية بكثير من العناصر.