خيط أمل
لم يتبقى للحاج علي في الدنيا إلا كرتوناً صغيراً يتصل بحبل ملتف على رقبته يحمل به أكياس الفول السوداني "حب العزيز" ويطوف به شوارع صنعاء ليقيه مد يد السؤال للناس، كخيط أمل يربطه بالحياة.
منذ الصباح الباكر يخرج من دكانه الذي يشبه مكان مهجور، لا فراش فيه ولا ضوء، لتبدأ رحلة البحث عن رزق لا يسمن ولا يغني من جوع، في الطرقات والحارات وعلى أبواب المدارس، تحت أشعة الشمس المحرقة، تاركاً زوجته المريضة وحيدة مشغولة بعودته وبدعواتها وابتهالها لله ان يفتح له أبواب الرزق ويسخر له عباده.
"يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم " هذا ما يردده الحاج علي طوال الصباح وهو يعبر الشوارع، وكأنه يحاول أن يلفت الناس إلى بضاعته، كما يقول هشام الحكمي أحد جيرانه لـ " بلقيس " ويضيف أراه كل يوم يكافح بصمت، لا يشكو لأحد ولا يعرف أبناء الحي شيء عن ظروفه، ولم أراه يوماً ما عابس الوجه أو متجهماً.
قصة كفاح
وعلى الرغم من قسوة الحياة، ورحلة الكفاح في مفترق طرق جميعها توصل للكد والألم، إلا أنها لم تستطيع سلب الوصابي ابتسامته، ولم تجعله يتذمر و يشتكي أو يترك زوجته المريضة، كما عملوا معهما أولادهما السبعة وكل أقاربهما الذين تركوه يكابد قسوة الحياة والمرض وحيداً بلا مساند ولا مؤنس.
"اتركني في حالي أنا قاصد الله، تخلى عني الجميع وتفطرت قدماي وأنا أطوف الشوارع، لم أعد احتمل التعب واخذ العمر مني ما اخذ، لكن أين اذهب وماذا أعمل ولمن اشكوا غير الله" بهذه العبارات يلخص الحاج علي قصته بعد الإصرار على معرفة حكايته.
يبيع الحج علي مابين 20 إلى 30 كيساً من حب العزيز وبسعر 50 ريال للكيس الواحد، بما يصل إلى ألف و500 ريال في أفضل الأحوال، كما يقول لـ " بلقيس " ويضيف "أعمل لأجمع 8 الاف وأسدد بها إيجار الدكان، أما الأكل فأحصل على بعض الرز وبقايا طعام من أحد المطاعم".
عزة نفس
لا يريد علي أن يكون عبئاً ثقيلاً على أحد ومنعته عزة نفسه أن يذهب لأبنائه الذي يقول أنهم يعملون في أعمال حرة وبسيطة، أو أحد أقاربه، واكتفى بجهده وبما قسمه الله له، لكن عدم قدرته على شراء علاج زوجته يثقل كاهله ويشعره أكثر بالعجز ، ويتمنى أن يزوره أولاده ويسألوا عليه فقط.
كان الحاج علي مزارعاً في بلدته بمنطقة وصاب بمحافظة ذمار ويملك الأرض والمواشي لكن مرض زوجته بالروماتيزم أجبره على ترك قريته والسفر إلى صنعاء لعلاجها قبل عشرين عاماً، ولم تجعله طول فترة المرض ييأس أو يتخلى عنها، وباع كل يملك لأجلها بنفس راضية، وعمل ببيع القات في صنعاء حتى وصل به المطاف إلى كرتونه المعلق على رقبته، حد قوله .
فقراء بلا مساعدات
لم يعد علي يشرب قهوته منذ شهور بعد أن فرغت الإسطوانة الصغيرة "الشولة " وصار الغاز المنزلي يوزع من قبل عقال الحارات، وتوقفت إمداد المحطة التي كان يملئ منها اسطوانته بالغاز.
الحاج علي واحد من ما يقرب من 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي ولا يملكون الطعام الكافي من بينهم أكثر من 8 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، إلا أنه ليس واحد من 9 مليون شخص يقول برنامج الأغذية العالمي في اليمن أنه يزودهم بالمساعدات الغذائية.