التصريح أثار التساؤلات حول أسباب إنكار الحكومة مسألة السجون السرية التي تشرف عليها الإمارات، بالرغم من كونها أضحت ظاهرة ومكشوفة في التقارير الدولية والحقوقية والوقفات الاحتجاجية شبه اليومية لأمهات المختطفين ورسائل المعتقلين.
وسبق لنائب وزير الداخلية لخشع ان أنكر وجود سجون سرية بداية يوليو الماضي. وقال إنه لا صحة لوجود سجون سرية سواء في عدن أو حضرموت، مشددا على على وسائل الإعلام "بضرورة نقل الحقيقة كما هي للرأي العام دون تزييف".
وقدم الشكر لدولة الإمارات على ما اعتبره تقديمها الدعم والإمكانيات لوزارة الداخلية بكل أجهزتها.
وفجرت تصريحاته غضب أمهات المعتقلين، حيث نظمن يوم، الأحد الماضي، وقفة احتجاجية أمام منزل وزير الداخلية أحمد الميسري، وطالبن وزارة الداخلية بالكشف عن مصير ذويهن.
كما رفعن خلال الوقفة صورا لأبنائهن وشعارات تكذب تصريحات لخشع، وحملن وزارة الداخلية مسؤولية إخفاء ذويهن. مطالبات الداخلية بعدم تجاوز هذه القضية الانسانية والقفز عليها من خلال تصريح ينافي ما هو موجود على أرض الواقع.
وبعد ان ضجت التقارير الدولية ببشاعة الانتهاكات التي تمارسها قوات مدعومة من الإمارات في تلك السجون، جرى الإفراج مؤخرا عن عدد من المعتقلين، وتبين ان ثلاثة منهم فقدوا قواهم العقلية جراء التعذيب.
ومنذ العام الماضي، ينفذ سجناء بئر أحمد في مدينة عدن بين الفينة والأخرى إضرابا مفتوحا عن الطعام، احتجاجا على عدم تنفيذ أوامر النيابة بالإفراج الفوري عنهم.
يشار إلى ان سجن بئر أحمد، كان عبارة عن مزرعة استأجرتها القوات الإماراتية في العام 2016، وحولتها إلى معتقل خاص يتبع لما يسمى قوات الحزام الأمني التي أنشأتها القوات الإماراتية في مدينة عدن.
وكشف مصدر حقوقي، نقلته منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان، مؤخرا إن نزلاء سجن بئر أحمد يتعرضون لانتهاكات نفسية وجسدية فظيعة، ويخضعون لجلسات تحقيق قاسية تستمر ساعات طويلة، كما لم تعقد لهم أي محاكمات ولم توجه لأكثرهم تهم.
ولا مجال للإنكار. ثمة عشرات التقارير الحقوقية التي وثقت عمليات تعذيب وحشية للمعتقلين. وأشارت إلى وجود 18 سجنا سريا تديرها قوات إماراتية في المحافظات الجنوبية.
وسجلت حوادث لاختفاء مئات الأشخاص في هذه السجون السرية بعد اعتقالهم بشكل تعسفي في إطار ملاحقة أفراد تنظيم القاعدة.
وبحسب المعلومات التي أوردتها التقارير، كانت هذه السجون تشهد حالات تعذيب وحشية تصل إلى حد "شواء" السجين على النار، إضافة إلى اعتداءات جنسية.
وتحدث أحد المعتقلين المفرج عنهم عن تأكده من وفاة 42 معتقلا جراء التعذيب. لكن السؤال، لماذا تنكر الحكومة مسألة السجون السرية؟
لقد دخلت حكومة أحمد عبيد بن دغر في صراع مع الإمارات على مسألة السيادة. ورفعت قضية انتشار قوات إماراتية في جزيرة سقطرى إلى الأمم المتحدة.
ربما ذلك يفسر قرار إقالة بن دغر من رئاسة الحكومة في وقت لاحق استجابة للضغوط الإماراتية.
ليس الحكومة فحسب. شاركت مقاتلات إماراتية بداية العام 2017م في ضرب قوات الحماية الرئاسية، إثر سيطرتها على مطار عدن، من قبضة قوات الحزام الأمني، التي منعت طائرة الرئيس هادي من الهبوط فيه، واضطرته للتوجه إلى جزيرة سقطرى.
كما جرت مصادمات عديدة بين قوات الحماية الرئاسية ومليشيا الحزام الأمني، حيث شاركت المقاتلات الإماراتية مع الأخيرة بشكل فاضح لمنع سيطرة القوات المحسوبة على الرئيس هادي.
وأخذت الإمارات زمام السيطرة والهيمنة بشكل تام في المحافظات الجنوبية. ورغم ما بدا من تسابق نفوذ بينها وبين السعودية. لكن الأخيرة أخلت الساحة للإمارات، وتدخلت في بعض المواقف المتوترة مع الحكومة اليمنية لصالحها.
وحاول وزير الداخلية أحمد الميسري الدخول على خط المواجهة مع الإمارات. لكنه بعد زيارات متكررة لأبوظبي، عاد بلغة مختلفة، ونفى بدوره وجود سجون سرية.
وعلى مدى نحو ثلاث سنوات، عملت الإمارات على نهج السيطرة على الشريط الساحلي مع موانئه، ومطاراته، ومنشآته النفطية والغازية.
كما تحكمت في مناطق إنتاج النفط، والمنافذ البرية الداخلية والخارجية. واحتكرت أدوات القوة، وافرغت الساحة الجنوبية من القوى السياسية.
ويمكن القول أنها باتت الآن مسيطرة على القرار السياسي، حتى أنه تحول بعض المسؤولين إلى ناطقين باسمها ومدافعين عن سياستها الاحتلالية والعبثية في اليمن.