"أعیش بلا روح" هذا هو حال لسان والدة الصحفي ولید عبد الواسع والتي تقول أنها تقعد كل يوم بالقرب من نافذة المنزل تنتظر عودة ابنها وإخوته الأخرین.
أم وليد هي واحدة من الأمهات التي حرمتهن الحرب من رؤیة أبنائها وحاول موقع بلقيس الوصول إليهن والحديث معهن عن مشاعرهن تجاه أبناؤهن الذين یعیشون غرباء في وطنهم الذي تنهشه الحرب منذ أربعة أعوام.
انتظار طويل
"انتظر عودة جهاد بشوق" هكذا قالت أم جهاد عبدالله أيضاً وهي تتحدث عن شوقها وأمنیتها رؤیة ولدها جهاد الذي غیبته جبهات الحرب منذ سنوات.
وتضیف أم جهاد" لا أملك حتى صورة لفلذة روحي، نزحنا من تعز إلى صنعاء تاركین خلفنا كل شيء، غادرنا مكرهین عندما كانت تعز تشتعل بینما جهاد توجه للجبهة ولم أراه منذ 4 اعوام".
"أشتاق لرؤیته، لا یمر یوم إلا وأبكي غیابه"بهذه الكلمات أنهت أم جهاد حدیثها وهي تمسح الدموع عن خدیها وتدعو الله أن یحفظ جهاد.
"ضعف سمعها وفقدت الرؤیة بإحدى عینیها بسبب حُزنها على عدم قدرتها رؤیتي طوال سنوات" هكذا تحدث "عبده أحمد زید المقرمي" عن حالة والدته وغيابه عنها منذ خمسة أعوام وهو الموظف الحكومي الذي تقطعت به السبل بعد توقف راتبه وأصبح يجمع مخلفات البلاستیك للعیش من عوائدها.
المقرمي الذي فضل العیش من عوائد جمع النفایات على الإنضمام إلى ما یسمیه طرفي الصراع، یقول أعیش وجع لا نهایة له جراء عجزي عن رؤیة أمي الغالیة، الحرب سرقتنا من أمهاتنا، الحرب أنهكت أمهاتنا، أوقفوا الحرب.
"أرید رؤیة أمي" بهذه الكلمات تحدث محمد علي الفقيه مضیفاً "كنت قبل الحرب كل عام مع حلول شهر رمضان أترك صنعاء مع أسرتي متوجهاً نحو قریتنا الریفیة بمحافظة تعز وأنعم بالعیش قریباً من أمي، وجاءت الحرب لتحرمنا هذا الشعور .
يواصل الفقيه حديثه لـ"بلقيس" خمسة سنوات عجزت خلالها عن زیارة أمي، وإلى ما قبل عام لم تتحمل أمي وجع البعد، وتجشمت عناء السفر وهي الكبیرة بالسن ولم أعرف إلا وهي عندي، طرت إلى حضنها، الدموع بللت وجوهنا، ورغم إحساسي بخذلانها، إلا أني ولأول مرة شعرت أني طفل ولیس ذاك الرجل الذي یبلغ عامه الثاني والخمسین".
يتابع الفيه" عشت أسبوعاً كاملاً كطفل في حضن أمي، بعدها غادرت، صعدت سیارة السفر بصعوبة والدمع یبلل وجهها، تحركت السیارة، لوحت بیدها - مع السلامة - وأنا عاجز عن الحركة.
معاناة قاسية
"تمتد المعاناة وحیث ما ولیت روحك یصادفك نزیف روح أم" یقول بلال علیان وهو تربوي ويؤكد أن هناك قصص كثیرة ومعانات كثيرة لأمهات یعانین عجزهن عن رؤیة أبنائهن، تلك القصص عایشتها وهي نتاج الحرب البائسة ومخلفاتها.
ویضیف: بالنسبة لي عشت هذه التجربة فقبل حوالي سنة ونصف كانت والدتي عند أخي في العاصمة صنعاء، وبسبب الموصلات وارتفاعها وانقطاع الدخل بسبب توقف الرواتب عجزت من زیارتها، أیضا هي الأخرى كانت لدیها رغبة بالسفر لزیارتي وعدم قدرة أخي الأكبر عن تكفله بسفرها حال دون ذلك، وغادرت أمي ولم أرها.
وینتقل علیان من حكایة إلى حكایة آخرى. یقول علیان: ضمن الأسرة أیضا هناك حكایات كثیرة وأكتفي بالتوقف على حكایة ابن عمي "مازن علیان" یعمل في الدیكور في محافظة تابعة للشرعیة وبسبب المعاملة المهینة في النقاط والتوقیف فیها والزج بالسجن لأسباب غیر مقنعة فقط لأنه مسافر لمحافظة تحت سیطرة الشرعية بمجرد وصوله إلى عمله فضل عدم العودة إلى بلدتنا منذ سنتین.
وبحسب علیان هناك قصص أكثر ألماً، وهي نتاج التحیز لطرف والاشتراك في القتال، ومنها قصص المنخرطین في الجیش التابع لهادي، فوعلى مدى السنوات الماضية لم یستطیعوا العودة إلى مناطقهم الواقعة تحت سیطرة الحوثیین وفضلوا المكوث في تلك المحافظات لأسباب مصیریة فعودتهم سیكلفهم دفع ثمن لذلك وهو الموت، وعلى الطرف الآخر نفس الشي بحسب عليان.
ویتساءل علیان، ما الذي یمكن تصوره عن أم لاتستطیع رؤیة قرة عینها لسنوات، هذه المأساة أفرزتها الحرب، فمن یوقف نزیف أرواح الأمهات.
ونفس الحال ینطبق على أباء یمنیین كُثر، ینتظرون عودة أبناءهم منذ سنوات الأباء أیضاً یعیشون وجع مماثل للأمهات ویشتاقون لأبنائهم ویحول بینهم وبین رؤیتهم ویلات الحرب.